في عموده اليومي "أضعف الإيمان" في صحيفة الحياة اللندنية، كتب الكاتب السعودي "داود الشريان" يوم الأربعاء 2 حزيران الجاري، تحت عنوان "إذا قالت مصر لا". وقد ظهر وكأنه يقلل من حجم رد الفعل التركي على الهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية فجر يوم الاثنين 31 أيار المنصرم، قال: (رد الفعل التركي على الجريمة الإسرائيلية كان أقل من التوقعات. – فقد- حشد رئيس الوزراء "رجب طيب أردوغان"في خطابه أمام البرلمان عبارات عاطفية وحماسية، وخاطب البسطاء، لكنه خيّب الظن. لم يقدم شيئاً يوازي دم الضحايا الأتراك وكان الأتراك ينتظرون أكثر من مراجعة التعاون العسكري مع الدولة العبرية). بطبيعة الحال فإن المواطن العربي على طول الوطن العربي، من محيطه إلى خليجه، يختلف مع الأستاذ الشريان بتقويمه لخطاب "أردوغان".الوحيد الذي وافق الأستاذ الشريان في تقويمه لرد فعل الأتراك على خطاب أردوغان هو قناة BBC البريطانية، عندما رصدت ردود فعل عينة منتقاة من الأتراك، وأذاعتها يوم 1 حزيران في الساعة 8 مساء بتوقيت "غرينتش". لا أبالغ إذا قلت أن مقاربة الأتراك –حكومة وقيادة وشعبا- لموضوع قافلة الحرية لم يدانيها مقاربة من أي قطر عربي أو إسلامي، من شارك مواطنوه في القافلة ومن لم يشارك. أولا: تركيا أول دولة إسلامية تقبل أن تتجهز من على أرضها التحضيرات لقافلة تعمل على كسر الحصار على غزة، وأن تكون السفينة الرئيسية في القافلة هي سفينة "مرمرة" التركية، وأن تقلع طلائع هذه القافلة من المياه الإقليمية لتركية. وقد رفضت حكومة مصر من قبل أن تعبر قافلة "شريان الحياة3" التي قادها "جورج جالاوي" في كانون الثاني الماضي عبر أرض مصر، ومصر عضو عربي يجب عليه التضامن مع غزة، لكنها لا تفعل. أما تركية فتعمل على ذلك بقوة. مع أن الحكومتان تركيا ومصر، لهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ولو عدنا لانتقادات الأستاذ الشريان وتساءلنا: هل كان مطلوبا من "أردوغان" حرق الجسور بينه وبين إسرائيل قبل أن يقيم الحجة عليها كي يجعل الدول الأخرى تصطف معه في إدانته لإسرائيل؟ أم أن عليه أن يجيش حربا إسلامية على إسرائيل وحكومته تمشي في حقول ألغام داخل تركيا، ابتداء من العسكر وانتهاء بالمحكمة الدستورية العليا. وأي كلمة غير محسوبة منه قد تعرض حزب "العدالة والتنمية" للإغلاق من قبل المحكمة الدستورية العليا. وليس هذا بدعا من القول، فقد رفع المدعي العام التركي دعوى على "أردوغان" عام 1998 اتهمه فيها بأنه أجج التفرقة الدينية في تركيا لأنه ألقى أبياتا من قصيدة الشاعر الإسلامي التركي "ضياء كوكالب"، والأبيات هي : (مساجدنا ثكناتنا .. قبابنا خوذاتنا ..مآذننا حرابنا ..والمصلون جنودنا ..هذا الجيش المقدس يحرس ديننا) فحكمت المحكمة بسجن أردوغان 4 أشهر. استطرادا، فإن "أردوغان" ليس من هواة الشعارات الرنانة، كبعض الزعماء العرب. فهو يزن كلامه بميزان الذهب عندما يتعلق الأمر بالعلمانية والإسلام. فقد أجرى الأستاذ "فهمي هويدي" مقابلة مع أردوغان نشرتها صحيفة "الشروق الجديد" المصرية في 8 ديسمبر 2009 جاء فيها: (قلت: هل هذا التوجه من إفرازات سياسة «العثمانية الجديدة»؟ قال أردوغان: هذا المصطلح مغلوط ولا أحبذ استخدامه، فضلا عن أنه تعبير خاطئ يبتسر الماضى وينتقص من قدره. كما أنه يستدعى إلى الذاكرة مرحلة اندثرت ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز لنا أن نتعلم دروسها ونستفيد منها). فلو أن "أردوغان" أخذه الحماس –كما يفعل زعماء عرب- وقد دغدغ الأستاذ "هويدي" عواطفه الإسلامية فقام بمجاراة "هويدي" وقَبِل أن يسمى باعث "العثمانية الجديدة"، فربما وصل الأمر إلى المحكمة الدستورية التركية بأن "أردوغان" نكص عن علمانية "أتاتورك" إلى السلطنة العثمانية، وعندها تقوم قيامة المحكمة الدستورية العليا وتعلن حل حزب العدالة. ثانيا: لا يستطيع أحد أن يزايد على "أردوغان": فيزعم (أن رد الفعل التركي البارد، على رغم سخونة عباراته، جاء متوافقاً مع الموقف الأميركي الباهت) حسبما كتب الأستاذ الشريان. لا يقال هذا، والكل يعرف أن مجلس النواب التركي الذي يسيطر عليه حزب "العدالة والتنمية"، رفض طلب واشنطن عبورَ قواتها من الأراضي التركية في آذار عام 2003 لمهاجمة العراق. كما لا يصح القول أن (الموقف التركي من إسرائيل كان ولا يزال يسير بتوجيه من البوصلة الأميركية) حسبما زعم الأستاذ الشريان.. "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". لا بد من أن نؤكد هنا: (أن ما حدث أزمة تركيا- إسرائيلية) بامتياز. بل إن إسرائيل أرادت بهجومها على قافلة الحرية –بالدرجة الأولى- معاقبة أنقرة ردا على الصفعات التي وجهها "أردوغان" لها (في دافوس ويوم أرغم تل أبيب على الاعتذار لأنها أساءت الأدب مع السفير التركي) ويوم هاجمت قافلة الحرية فأقام حكومات العالم على إسرائيل ولمّا تقعد بعد. بل إن صحيفة الحياة نشرت في صفحتها الأولى -في نفس اليوم- عنوانا بالخط العريض: "دعوات إسرائيلية إلى استقالة باراك". كما نقلت الحياة عن وزراء "المنتدى الوزاري السباعي" في حكومة نتنياهو أنهم يحمّلون "باراك" مسئولية الفشل والتقصير. ثم بعد كل هذا نسأل: أين هي البوصلة الأمريكية في السياسة التركية يا أستاذ داود؟ وإذا كنت مدعيا فالدليل. ثالثا: إذا كان(الدور التركي ينشط في ظل الغياب العربي)، فنحن نقول: "برافو" يا تركيا أنك قمت بتغطية الغياب العربي عن قضايا ساخنة هي مسئولية العرب أنفسهم بالدرجة الأولى، مثل قضية فلسطين. وإذا كانت المشاركة التركية الفعالة في قضية قافلة الحرية حيث كانت هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تصدت للغطرسة الإسرائيلية فحركت غيرة حكومة مصر، فهبت لتنفض الغبار المتراكم عن دورها كداعم أساسي في وجه حصار غزة، فنحن نطالب تركيا أن تزيد من نشاطها لحفز باقي الدول العربية لزيادة مساهمتها بالمجهود الداعم لرفع الحصار عن غزة. إن كل العرب يضمون صوتهم مع الأستاذ "الشريان" عندما تمنى أن (قرارَ مصر فتحُ معبر رفح إلى موعد غير محدد، هذا القرار الذي طال انتظاره، سيصرف الأنظار عن الدور التركي، وسيعيد مصر إلى مكانها الطبيعي) فإننا نتمنى أن تتحرك مصر ولو أدى تحركها هذا لفتح معبر رفح فتحا كاملا، يتدفق منه كل ما يلزم أهل غزة، ولو أن الدور المصري في النهاية: سوف (يجعل «قافلة الحرية» قضية هامشية)‘ إلى جانب دور مصر. رابعا: يبقى أن نقول أن بروز موقف رئيس الحكومة التركية "رجب طيب أردوغان"، إنما جاء بعد أن تخلى أصحاب القضية الفلسطينية الأصلاء من الزعماء العرب: المقاومين والممانعين والمعتدلين والمطبعين. فهل يعي ذلك هؤلاء القادة؟