كان من المفترض أن تكون قافلة الحرية 2 التي تنظمها الجماعة الإسلامية التركية : مؤسسة الحريات و حقوق الإنسان و الإغاثة و يشارك فيها قرابة 12 سفينة عالمية و نشطاء سياسيون من مختلف دول العالم بما فيهم برلمانيون أوربيون و مهنيون من أساتذة جامعيين و أطباء و مهندسين و كتّاب و إعلاميين ... الخ ينتمون إلى 100 دولة مختلفة بينهم عرب و أتراك و أوربيون و أمريكيون ، من المفترض أن تكون قد أبحرت السبت الماضي من عدد من موانئ اليونان و قبرص في طريقها نحو غزة لكسر الحصار البحري الجائر المضروب على غزة منذ 5 سنوات بعد مضي ثلاثة عشر شهراً من تاريخ إنطلاق قافلة الحرية الأولى التي هاجمتها القوات الإسرائيلية و هي لا تزال في المياه الدولية في 31 مايو 2010 م و قتلت من قتلت على متن السفينة القيادية ( مافي مرمرة ) و أعتقلت البقية الباقية من النشطاء السياسيين المشاركين ، في مشهد إرهابي بشع على مرأى من العالم و مسمع و نقلت حيةً على الهواء. و لأن الإعلان عن نية قافلة الحرية 2 إكمال مسيرة سابقتها الحرية 1 قد تم منذ عام مضى فإن الصراع العنيف للحيلولة دون تلك القافلة البحرية السلمية على المستويين السياسي و القانوني لم يزل محتدماً خلف الكواليس على مدى السنة الماضية ، بل و أخيراً تدنى مستوى الصراع إلى صراع إجرامي تخريبي من قبل عملاء الموساد الإسرائيلي و المتعاونين معهم ضد بعض السفن المشاركة في قافة الحرية 2 كمثل سفينة ( إم في سورايس ) الإيرلندية التي تم الإعلان عن التخريب الذي لحق بها يوم الخميس الماضي ، و كمثل سفينة ( جراءة الأمل ) الأمريكية المسماة بتلك التسمية تيمناً من قبل المشاركين على متنها بكتاب السيرة الذاتية الشهير الذي يحمل نفس العنوان للرئيس الأمريكي باراك أوباما ، و لو كان المخربون غير إسرائيليين لأقامت أمريكا حرباً عالمية ً جديدة و لسمتها تسمية دراماتية كمثل الحرب على «الإرهاب البحري» و لهاجمت المزيد من ديار العرب و المسلمين ، و لكن يجوز في عرف الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل ما لا يجوز لغيرها حتى و لو مارست إسرائيل الإرهاب المعلن ضد السفن الأمريكية المدنية و الحربية كما حصل بالفعل منذ ما يزيد عن 4 عقود ضد السفينة الحربية الأمريكية المسماة أيضاً «الحرية» عن سابق عمد و إصرار و ذلك في 8 يونيو 1967 م قبالة الشواطئ المصرية لتتهم إسرائيل بها مصر وتستجر أمريكا للحرب ضد مصر ، لكنّ الله خيّب مكرهم بعد أن ثبت أن إسرائيل هي من هاجمت السفينة الأمريكية لساعات متواصلة و كادت أن تغرقها و قتلت على متنها 34 بحاراً أمريكياً و جرحت 174 أخرين ، و لم تحرك أمريكا «الجبارة» ساكناً بشأنها. يؤكد المنظمون بأن قافلة الحرية 2 ستنطلق مبحرة نحو غزة خلال الأيام القليلة القادمة رغم كل التخريب الإرهابي لبعض سفنها و الذي تمارسه إسرائيل في الخفاء ، و على الرغم من الضغط السياسي الذي يمارسه اللوبي الصهيوني على حكومات اليونان و قبرص ، و على الرغم من العوائق و العراقيل القانونية المفتعلة التي تتزعمها إسرائيل و تشارك فيها دول غربية على رأسها الولاياتالمتحدة التي حذرت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون مواطنيها الأمريكيين من المشاركة في القافلة ، بل بلغ الأمر حد تحريض الإدارة الأمريكية على إستخدام العنف المباشر ضد قافلة الحرية 2 كما يفعل السنتور الأمريكي مارك كيرك الذي يناشد حكومة بلاده مشاركة إسرائيل بقوات خاصة مشتركة في مهاجمة القافلة و منع توجهها لغزة ، و تتوج الأممالمتحدة دائمة التحيز لإسرائيل تلك المهزلة السياسية إذ حذر أمينها العام الكوري ( بان كي مون ) من إنطلاق القافلة إلى غزة ، وصرح مبعوثها رون بروسور بالتالي: (ليس لدى القافلة شئ إيجابي تقدمه ، و ليس ثمة ما هو إنساني و لا ما له صلة بتحسين حال الفلسطينيين ستقدمه القافلة ) ، و من شبه المؤكد في ظل كل هذه المغالطات الأممية و العالمية و «البلطجة» الإسرائيلية و كذلك في ظل إصرار المنظمين للقافلة على المضي قدماً في مشروعهم الشجاع لكسر الحصار عن غزة أنه ستقع مواجهات عنيفة بين القوات الإسرائيلية و ربما من يساندها و بين النشطاء السلميين و غير المسلحين على متن سفن الحرية و لا يستبعد أبداً أن تزهق الأرواح و أن تسفك الدماء الزكية لا سيما من بين المسلمين من نشطاء القافلة. قد يرى البعض أنه ليس في تسيير قافلة الحرية 2 كثير فائدة بعد الإنفراج النسبي الذي تعيشه غزة منذ عام تقريباً ، لكنّ أولئك ينسون أن الإنفراج النسبي الذي يشيرون إليه ما كان له أن يكون لولا الله أولاً و أخيراً ثم تضحيات شهداء قافلة الحرية الأولى الذين تسببت دماؤهم الزكية في تعرية إسرائيل أمام العالم كدولة إرهابية و سلطت الضوء بشكل كبير على معاناة أهل غزة في سجنهم الكبير الذي يعتبره البعض أكبر سجن مفتوح في تاريخ العالم ، و حدوث ردة فعل عالمية أجبرت إسرائيل على تخفيف الحصار عن غزة ، و كذلك بسبب إختفاء نظام حسني مبارك البائد في مصر الذي كان أشد حرصاً على حصار أهل غزة من الإسرائيليين أنفسهم. و لعل الرسالة الأكبر و الأهم التي يحملها إصرار منظمي قافلة الحرية 2 لكسر حصار غزة للعالم أجمع هي أنه و في ظل عجز و فشل الدول و المنظمات الدولية في تحقيق تطلعات الأمم و الشعوب للعدالة التي أقام الله عليها السموات و الأرض ، و في ظل النفاق السياسي الغربي الذي يكيل بمكاييل مختلفة في إدانة الجرم حسب جنسية الجناة فثمة من يدانون و ثمة من هم فوق الإدانة مهما أقترفوا من جرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب ، فإن التحرك الشعبي العالمي آخذ في الظهور كبديل فاعل على الساحتين العالمية و الإقليمية الشرق أوسطية لأطر العالم على تطبيق معيار واحد للعدالة ليس فيها خيار و فقوس كما يقول أخواننا السوريون.
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain)