رسالة كل الأنبياء هي رسالة رحمة... المهم في رسالة النبي سليمان إلى ملكة سبأ أنها أخبرت من حولها بالمضمون النهائي للرسالة؛ أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم. ونلاحظ هنا كلمة الرحمة مكررة بلفظين مختلفين، وهي افتتاحية كل سور القرآن عدا سورة التوبة لإشكالية خاصة. قصص الرحمة عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لا تنتهي، نقولها لاشتداد التعصب والقسوة والشدة، من أجل بناء عالم غاص بالرحمة، راحم يرحم. الراحمون يرحمهم الله. حين جاء الأعرابي ورأى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يقبل أحفاده تعجب وقال: أما أنا فلا أقبل؟! فيقول له وماذا أفعل لك وقد نزع الله الرحمة من قلبك؟ وحين يرى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في معركة امرأة تبحث عن صبي لها؛ فإذ وجدته ألقمته ثديها فينظر فيقول أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ فالله أرحم بعباده من هذه المرأة بوليدها. تأتي هذه الواقعة من جو معركة حيث تغيض الرحمة وتنضب، ويزرع مكانها الكراهية والقتل، ولم يكن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بالحريص على المعارك وكان يكرر ويح قريش أكلتهم الحرب، ماذا لو خلت قريش بيني وبين الناس، فإن انتهيت تفرغوا لي وفيهم قوة وإلا هلكت؟ وحين أسبح في التفكير أحيانا أقول في نفسي إن أخطاءنا الصغيرة بقدر الجبال؛ فهو الذي يبعثنا في النهار ويعلم ما جرحنا، وإذا نصب الميزان فالويل لنا من خسارة الميزان؛ فأمنا هاوية وما أدراك ما هي نار حامية. ولكن آية سورة الأنعام تنفحني بنسيم بارد عليل من الرحمة والأمل بعبارة؛ كتب على نفسه الرحمة.. ويا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا.. إن الرب جل وعلا قد ألزم نفسه بالرحمة وسوف يعاملنا بميزان مضاعف من العدالة وفوقها الرحمة وهنا الأمل الكبير.. ولذا فلن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله؛ فلنهيئ أنفسنا إذا لهذه الرحمة الكبيرة، ونتعلم التواضع، وأن لا نغتر كثيرا بما ننجز؛ فالأعمال لاتكون دوما خالصة لله تعالى، وقد يأتي الرب على ما عملوا فيجعله هباء منثورا.. أقول هذا الكلام لأن هناك العديد ممن يضع يديه على خزائن الرحمة فيغلقها، والله يقول قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا..