بعد أن فرغتُ من صلاتي الجهرية، سألني أحدهم باستنكار: لماذا جهرتَ بالبسملة عند قراءتك الفاتحة؟ فقلت له رأيت أبي ومعظم أقاربي.. ورأيت أئمة يفعلون ذلك، مثلهم مثل كثير من العلماء وشرائح متعددة من الناس في العالم الإسلامي يتبعون المذهب الشافعي. لم يعجبه التوضيح، ففاجأني برفع صوته: لماذا تتبع هذا المذهب؟ أجبته بكل تأنٍّ: لأن المذهب الشافعي هو أحد المذاهب الفقهية الأربعة (المالكي والشافعي والحنبلي والحنفي) التي يتبعها المسلمون في جميع الأنحاء منذ أكثر من ألف عام، فهل في هذه المذاهب ما يخالف القرآن والسنة؟ وعندما رأيته لا يجيب، قلت له: لابد أنك تتبع مدرسة محددة تعتبرها مرجعاً، وأنا لا أنكرها عليك. فلماذا لا تُوسّع بصيرتك.. ففي الاختلاف رحمة. تُمثّل هذه الحالة أمثلة كثيرة بدأت أيام حرب الخليج الأولى قبل (20) عاماً. في ذلك الوقت بدأت تعلو أصوات فردية تناقش الناس في صلاتهم وتطالبهم بأدائها على مذهب واحد. خطورة تلك الأصوات أنها كانت إرهاصات لما بعدها من إظهار سلطة تشدد الرأي الواحد في العلن. ثم أخذت تنمو لتصبح قضية رأي عام. فما نشاهده الآن من فتاوى أحادية معارضة لمشاريع وأفكار التحديث المستندة على التعددية الفقهية، ما هي إلا استمرار لتشدد الرأي الواحد في وجه التعددية والقبول والحوار وبالتالي أمام الإصلاح. القضية هنا أبعد وأعمق من حرية اختيار المذهب في الصلاة. إنها قضية إقرار التعددية لاختيار الحلول الاجتماعية من جميع المذاهب الفقهية أينما وجدت المصلحة وتحققت الرحمة وخففت المشقة. ذلك أن قضايا التحديث وقضايا المجتمع وسرعة تغيّرها أكبر من أن تستوعبها مدرسة واحدة وبالتالي لهي أخطر من أن تترك بدون حل. ولسوف يزداد خطرها لو أننا عجزنا عن الإجابة الصحيحة لأسئلة المواطنين. فالذي يعترض على الديموقراطية والانتخاب ويُحرّم التلفزيون والدراسة في الخارج ويطالب بجلوس المرأة في البيت ويحرم الاختلاط، ما هو إلا صاحب الرأي الواحد المتشدد الذي ينكر عليك هيئة صلاتك إذا لم توافقه.