عبد الله باجبير - الاقتصادية السعودية على الرمال الساخنة.. على الحصى المدبب على الصخور القاسية.. كان المسلمون الأوائل يؤدون صلاتهم.. لم يكن هناك حصير ولا سجاد جيد ولا مراوح ولا مكيفات، ولكنهم كانوا يذهبون للمسجد تلبية ليس فقط للمؤذن، ولكن تلبية لما في قلوبهم من خشوع ومحبة لله ورسوله.. وتلبية لدواعي الدين الحنيف.. وفي صلاة الجمعة كانت آذانهم تسمع وقلوبهم تعي لما يقوله خطيب المسجد.. كانت الجمعة عيدا يرتدون له خير ثيابهم ويتعطرون ويذهبون فرحين يستغفرون لذنوبهم ويطلبون من الله سبحانه وتعالى المغفرة والرحمة.. وكانت الخطبة تنصب على تعميق معرفة المسلمين بدينهم الجديد.. ولكن السنين مرت.. عشرات ومئات وآلاف السنين.. ولم تتغير الصلاة ولكن تغيرت النفوس كما تغيرت الخطبة.. فقد أصبح الناس مشغولين بحياتهم اليومية ومشاغل العيش والعمل.. وأصبح من الضروري أن تساير الخطبة مشاغل الناس.. وهذا ما يطالب به عدد كبير من رجال الدين على مختلف وظائفهم وأماكنهم، وفي هذا هناك ما قاله الشيخ ''علي الطنطاوي'' – رحمه الله – في هذا الخصوص. قال - رحمه الله - وهو على وشك إلقاء خطبة في المسجد: إلى أحاول أن ألقي اليوم خطبة.. فلا تقولوا قد شبعنا من الخطب.. أنتم قد شبعتم من الكلام الفارغ الذي يلقيه أمثالي من مساكين الأدباء أما الخطب فلم تسمعوها إلا قليلا.. الخطب العبقريات الخالدات التي لا تنسج من حروف ولا تؤلف من كلمات ولكنها تنسج من خيوط النور الذي يضيء طريق الحق لكل قلب، وتحاك من أسلاك النار، التي تبعث لهب الحماسة في كل نفس. الخطبة المعاصرة يجب أن تتطرق إلى حياة الناس.. وكيف يحلون مشاكلهم من وجهة نظر شرعية.. كيف يتجنبون ارتكاب الأخطاء والذنوب، كيف يتعايشون بسلام، كيف يقبلون الآخر، كيف يقفون أمام الإرهاب، والتعصب، كيف يجعلون حياتهم أفضل في حدود ما شرع الدين وأباحته الشريعة.. وبعض رجال الدين يقولون أن المصلين لا يلتفتون كثيرا إلى ما يقال في خطبة الجمعة.. ولم يقل لنا هؤلاء لماذا ينصرف الناس عن الاستماع.. والسبب بسيط أن خطبة الجمعة بعيدة عن حياتهم ومشكلاتهم.. إنها كما يقال خطب منبرية وليست واقعية. فللخطبة أصول وآداب.. ومواضيع تهم الناس.. لا بد أن تتغير الخطبة لتساير الحياة.. ثم إن بعض الخطباء يحبون استعراض مهاراتهم اللغوية فيطيلون الخطبة حتى تصبح عبئا على الجالسين ومنهم مرضى وبينهم عجائز وهنت عظامهم، ولا تحتمل طول الخطبة.. ولقد حدد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إطار صلاة الجمعة وخطبتها فقال: أطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة.. (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم).