* أهلاً بكم في ''مقتطفاتِ الجمعة'' رقم 351. *** * حافز الجمعة: الكوارثُ تأتي إما بطبيعتها الطلِقة الكونية، أو لسوءِ الاستعدادِ لها. ولم يعد يُجْدي أن نبكي سوءَ البنيةِ التحتية، أو ضعفِ الهندسة التوقعية، فهذا لم يعد ينفع، إلا أن تستيقظ ضمائرُ الأمةِ جميعاً.. ويقظة الضمير تعكسها المحبةُ الحقيقية والانتماء الفعال. والتغيير صار أمرا لا خيار فيه إلا أن يبدأ من عندنا لا انتظار أن يأتي إلينا، ثم ستدور هذه الكرة، وتكبرُ.. وتكبرُ.. حتى تعم كاملَ المجتمع، ثم تعمّ البلادَ بكل مؤسساتها. العملُ الإيجابي يبدأ من الذين يشعرون بوجعهم ووجع أحبابهم وأحلامهم، وقليلا ما يبدأ العملُ بذات الحماسة ممَّن يَنقلُ لهم الناسُ وجعَهم وآلامَهم وآمالَهم. *** * أولُ ما طلب لقائي ''أولاد الرياض''، كنت أحسبهم مجموعة، فطلبتُ أن يكون اللقاء في قاعة منتدى ''أمطار''، ثم فوجئنا أنهما كانا اثنين فقط: ''محمد المطيري''، و''علي النعيم''. ولم يكن هذا مبعثاً للمفاجأة السلبية لي أبدا، فقد عرفتُ الشبابَ، وطبختُهم وخبزتهم، وعرفت أنهم من أفضل الخمائرِ، ولا أزكي على الله أحداً، ولكن تجربتي مع شباب هذه البلاد، تجربةٌ لا تصدق؛ تُروى وكأنها الكذبُ والبهتانُ مُزِجا في إناءِ المبالغةِ معاً. وأطلقنا الاسمَ ''أولاد وبنات الرياض'' إكمالا لسلسلةٍ نأمل أن تعمّ البلاد، ليثبت الشبابُ السعودي أنهم من أكثر العقولِ نبوغاً، ومن أقوى العزائمِ هِمّةً، ومن أصدق المحبين بالوجدان.. يعلنون ثورةٌ للمحبة، لا ثورة للبغضاء والتفرقة، ثورةٌ للفكرِ والعملِ الإيجابيَّيْن، لا لتقاعس الشكوى والبكاء. إعلانا لبدء العمل من موقعك لا أن تنتظر الفرصة لكي يأتي بها آخرون لموقعك! *** * لم ينم شبابُ الرياض ولا بناته ليلة السيول، واصلوا الليلَ والنهار لينقذوا مدينتَهم.. ولأنهم صغار، ولأنهم يريدون الاستئذان بطبعهم وليس لضعف رأيهم، حرص محمد المطيري على أن يطلب النصيحة في كل خطوة يخطوها واجتهد لإبلاغي بكل التطورات والأحداث... وقبلتْ فرقُ أولاد وبنات الرياض كل الاقتراحات، وسمعوا كل التوجيهات التي جاءتهم من رسميين، ومن متفاعلين على صفحتهم في ''الفيس بوك''، والتي صارت الأشهر في تلك الليلة للسعوديين بالخارج، يطمئنون من أخبار الصفحة المتتابعة على أحوال أهاليهم.. قام الأولادُ بالتوزع عبر الرياض للتوجيه المروري، وللتحذير عبر الرسائل الهاتفية والصفحة الإلكترونية من مواقع الخطر، ويرسمون الاتجاهاتِ الآمنةَ لكي يصل كل صاحب مركبةٍ سالما إلى أهله، وأنقذ الشبابُ تلك اليلة كثيراً من السيارات من خطر الغرق.. بمن فيها. *** * ونظّمت ''بناتُ الرياض'' حملةً في وسط الحملةِ بعنوان: ''دفّوهم'': يفرشن المنازلَ ويوزعن البطانياتِ والألحفة على بيوت الفقراء البسيطة بنظامٍ لوجستيٍّ مدهش. وتثبت فتياتنا أن قلوبهن لا تخفق للمظاهر وحقائب الفرزاتشي والعيشة الوادعة، ولكن تخفق من أجل سعادة وهناءِ الأسَر، وراحةِ وكرامةِ حياة العوائل الأقل حظاً، والبنات اللاتي في أعمارهن ويعانين شظف العيْش، وهن فئة أكثر هشاشة أمام السيول وتقلبات الطبيعة. ولنعلم أن النساءَ وبالذات شاباتنا هن رائدات العمل الاجتماعي في العالم العربي، هذا ما قالته مصادر أجنبية ولست أنا، وحتى إن لم يقله أحدٌ، فإني أراه بعيني وألتقطه بحواسي كل يوم.. قبل أشهر قليلة كنت متحدثا في حفل جمعية ''جود''، (وإن أغلقن علي هداهُن الله مكعَّباً صغيراً ليس به إلا أنا ورفيقة وحيدة: الكاميرا!) أمام ما يقارب الأربعمائة متطوعة قمن بمشاريع ملأت المنطقة، ثم هذا الثلاثاء، وبذات آلية المكعّب (سامحهن الله أيضاً) لتدشين جمعية ''ود''، التي كانت تُعرف في السابق بلجنة الثقبة النسائية أمام مئات من المتطوعات، وسبق لهن بعملهن وجهدهن أن قلبن مدينة تشرف على الضياع، إلى مجتمعٍ يتلمسُ طريقَ النور وإشراقاتِ الحياة.. وفي جدّة تحضر بناتٌ مفاجأة تطوعية في التقنية ستسهم في تغيير حال المدينة كما أفهَمْنَني.. ولكن قلن لي: ''هشش، سرّ!'' *** *وأقدم جلّ احترامي وشكريَ الخاصَّ والعميق لجهاز الدفاع المدني بالرياض من معالي الفريق سعد التويجري إلى قاعدة العاملين، لجهودهم التي لا تنكر لتخفيف أضرار السيول والإنقاذ، ولتفاعلهم الرائع والمبادر واحتضانهم وتوجيههم لأولاد الرياض.. تلاحمٌ رائعٌ بين الجهةِ الرسمية وعموم الناس المتطوعين في أوقاتِ المِحَن. *** * شخصية الأسبوع: الدكتور ''أحمد الزيلعي'' نرشحه أنموذجا للمواطن الذي يبدأ التغيير والإحساس بفئات المجتمع من عنده، ليس فقط لأنه واجب على كل عضوٍ في الشورى، ولكن لأنه رجلٌ يتحسس حاجاتِ الناس. تأثرتُ عاطفيا لما تقدّم بمشروع زيادة مكافآتِ الطلبة، وتأثرت أكبر لنجاح المشروع فقد تحول أعضاءُ المجلس إلى قلبٍ يخفق بالعمل المحب.. لأن الدكتور الزيلعي مسَّ قلبَ كل من سمع وقرأ توصيته، ويخال لي أنه تلبس بالكامل موقف الطالبِ وظروفه ومختلف حالاته، واستنتج متيقناً أن المكافأة صارت عند كثيرين من الشباب رافدَ عيشٍ وحياةٍ حتى لأسرهم.. مع إعجابي بصفةِ العالم المؤرّخ للدكتور الزيلعي، إلا أن إنسانيته ورحمته هما تاجُ كل صفاتِه. *** * سؤال الجمعة: قال مسلم بن قتيبة للشعبي: ''ما تشتهي؟'' قال: ''أعزّ مفقود، وأهون موجودٍ'' ففطن مسلم لمقصده ونادى: يا غلام...''. فماذا قال مسلمٌ للغلام يا ترى؟ ولكم أن تستلهموا الإجابة من سيولِ الرياض!