.. الحبُّ الحقيقي ليس أن يعرف من تحب أنك تهبه كل ما يمكنك أن تهب، بل أن تعرف أنت ذلك. هذا هو رأيي في الحبّ بأسمى معانيه، وأرفعها مقامأ. أول ما بدأت فكرة «أولاد وبنات المدن» تختمر، فاتحت الأخ والصديق الكبير حسن الجاسر، بصفته الشخصية من معرفتي به، وأعرف كيف يمكن أن تستدر رأيه، مع أنه يضنّ بالتنظير، ورأيت لمعاناً في عينه شجّعني على المضي. كما قابلت سموّ الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد نائب أمير المنطقة الشرقية وتفضّل بإعطائي رأياً إيجابيًا في كل جوانب الموضوع.. فتشكل أول فريق. ولقد كانت ضربة البداية الحقيقية لما استقبل سمو الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية شباب الفريق في أول تأسيسه ودعمهم معنويًا وماليًا.. وبدأت كرةُ الثلج الحميدة في الدوران، وصارت تكبر، حتى عمت فكرة أولاد وبنات المدن بمفهومها الجديد بآلية الدم في الجسد- حيث يغذي الشباب كل ما يخص مدينتهم من أعضاء عاملة رسمية وخاصة أو أهلية ومدنية أو تطوعية بدم الفكر والطاقة الشابتين- عدة مدن بالمملكة.. وفهمنا من الواقع أنك عندما تخدم هدفًا أو موضوعًا أو قيمة أو وطنًا بإرادتك الحرة التطوعية فهنا يتجلى الانتماء والتواصل المليئان بالحب. أمتحن الشباب أكثر من مرة بنات وأولادًا، في تجارب ومآسٍ كبرى، كسيول جدة في العام 2009، وفي الرياض، وكانت إدارتهم لحملات مدنية إغاثية تنظيمية إنقاذية تسييرية لوجستيكية مدهشة ليس لنا فقط، بل لعدة صحف عالمية باركت للشباب السعودي تلك القدرات التي سمّتها بعض الصحف «مفاجئة جداً».. وكان استخدامهم للإعلام الجديد ابتكارياً فاق كل ما صار في العالم العربي، كما صرحت إحدى كبريات الجرائد العربية. على أنهم لا يكفون عن الإدهاش، بعد سيول جدية التي أبكتْ القلوبَ، بل أبكتْ جبالَ السروات الراسخة، تحولت الخارطة السعودية إلى قلب كبير، وفي قلب ذاك القلب.. دمْعة. فإن الطاقة للمبادرة والهرع لعون أهلهم في جدة تفاقم كصهير براكين جزر المحيطات، رغم الحزن الأسر. وطبيعياً كان النقاشُ حول الإعداد لحملة كبرى، والنقاش بين الشباب لا يستمر كثيرًا، لأنهم بحيويتهم الفوّارة يتلهفون للعمل الميداني.. ولما سئلت عن اسم للحملة اقترحت «طوْق» لمعنى لا يخفى. ثم نمت متفائلا أنه لن يمضي يومان إلا والحملة في أوجّها.. في الصباح، بل فجر الليلة التالية، تلقيت مكالمات من مجموعات بالرياض، وأبها، والخرج، يقولون أنهم انضموا لحملة «طوق» التي قام عليها أبناء وبنات مدن المنطقة الشرقية، ودارت في جهات البلاد.. يا إلهي، تمّ كلّ شيء، فوق أي توقع.. وأنا أغطُّ في نوم عميق. [email protected]