عندما زار الشيخ عكرمة صبري فضيلة الدكتور أحمد الطيب من أجل أن يقدم له التهنئة بتسلمه مشيخة الأزهر ، ترصد له عدد من الصحفيين أمام باب مكتبه ، وما إن خرج حتى أمطروه بالأسئلة عن القدس والاعتداءات الإسرائيلية والتحرش بالمسجد الأقصى وموقف الأزهر وهل سيصدر بيانا يندد بذلك ، ونحو ذلك من ملاحقات محرجة للشيخ ومفاجئة له ، والشيخ الطيب الزاهد بطبعه عن الإعلام والصخب الإعلامي ، والذي لم تعركه خبرة التعاطي مع "شهوة" الإعلامي للسبق والانفراد والجديد والمثير ، تحدث بتلقائية مع الحضور وقال أن البيانات لم تعد تفيد ، والشجب ماذا عساه يضيف للقدس ، ونحو ذلك من كلام يمكن أن يقوله كل واحد منا في لحظات الضيق والإحباط ، ولكن أن يخرج من مسؤول رفيع ، وبحجم ووزن شيخ الأزهر ، كان الأمر صادما للرأي العام عندما نقله صحفيون ، ربما نكاية في الشيخ الذي أحبطهم أن يجدوا في كلامه شيئا مثيرا أو مفاجئا يبشرون به صحفهم ، وقد كان من السهل على الشيخ أن يسمعهم كلاما تقليديا في هذا المقام من التنديد بالتحرش بالمسجد الأقصى والشجب لما يحدث في القدس ومشروعات الاستيطان الجديدة ، وأظن أن الشيخ فيما بعد سوف يمارس هذا "الدور" بكل تلقائية وقوة ، والحقيقة أن الموقف كله يحتاج إلى توضيح ، فهناك تقصير من جانب الشيخ لا شك فيه ، لأن الناس تنظر إليه الآن ليس كما كانت تنظر للدكتور أحمد الطيب أستاذ العقيدة والفلسفة ، وإنما شيخ الأزهر الذي ترطب كلماته بعضا من آلام الأمة هنا وهناك ، وتنتظر منه الملايين كلمات ومواقف النصرة والغضب لحرمات الله وليس الإحباط والتسليم بالأمر الواقع ، وهناك في الواقعة من جانب آخر أيضا تعمد للإحراج من قبل الصحافة أو قطاع منها لشيخ الأزهر الجديد الذي فوجئ بالقرار والمنصب ، وما زال يتحسس جدران مكتبه وأثاثه ويتعرف على الدائرة الضيقة في نطاق عمله الجديد فضلا عن امتلاك الخريطة الكاملة بهموم ومشكلات الأزهر ومؤسساته التعليمية والإدارية والمالية وشؤونه الخارجية وغير ذلك ، والكلمة أو التصريح عندما يصدر من عالم فرد أو شخصية عامة ، يختلف عنه عندما يصدر عن قيادة مسؤولة ، يترتب على ما تقوله التزامات وربما موقف دولة ، والخطأ في كلامه أو تعبيراته ليس كأي خطأ ، فكل كلمة محسوبة ، وبالتالي علينا أن نكون أكثر رفقا بشيخ الأزهر الجديد عندما يكون أكثر تحوطا في كلامه أو تصريحاته ، ولا نحمل توقفه أو تحوطه أكثر مما يحتمل ، والحقيقة أن التصريحات الرسمية والدينية تتابعت في التنديد بما يحدث في القدس طوال السنوات الماضية ، حتى من شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي ، فما هو الحصاد وما هو التغير وما هي القيمة ، وبالتالي ما هي الخطورة والإلحاح الذي يمثله طلب تنديد أو شجب من شيخ الأزهر الجديد بهذه الاعتداءات بهذه السرعة والإلحاح ، لا شيء سوى تعمد إحراج الشيخ أو محاولة تلمس عثرات في كلامه تربكه وتثير الضجيج من حوله وهو في أيامه الأولى في منصبه ، فلم يكن القصد إغاثة القدس ، بقدر ما كان القصد إحراج شيخ الأزهر ، وبشكل عام ، أتمنى أن يكون الدكتور الطيب أكثر تحوطا في ردات فعله تجاه الإعلام وأسئلته ، وأن يكون أكثر إدراكا لكون العفوية وطيبة القلب التي كان يتحدث بها سابقا ، لم تعد هي الأنسب لشخصية مسؤولة مثله في منصب تتجه إليه أنظار وأسماع ملايين المسلمين في مصر والعالم ، فهو رمز لمؤسسة دينية رسمية صحيح ، ولكن منصبه تمثل السياسة فيه مساحة لا يمكن الاستهانة بها ، وبالتالي لا يمكن تجاهل مقتضياتها ، وأنا ما زلت متمسكا برأيي أن الأزهر في عهد الدكتور أحمد الطيب سيكون أكثر فاعلية وحضورا في الساحة المحلية والإقليمية والدولية منه في السنوات السابقة ، فنحن أمام قيادة تتميز بالعلم وسعة الأفق والوعي الثقافي الكبير وعفة النفس أيضا ، وهذا مزيج أرجو أن نرى آثاره عما قريب في نهضة جديدة للأزهر