عبد العزيز السماري - جريدة الجزيرة السعودية لا يمكن بأي حالٍ أن يُدرك تاريخ الإسلامي السياسي دون فحص المراحل ورصد التطورات حول مبادئ وأصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام، فالاختلاف لم يكن حول الأمر بالمعروف، ولكن كان وما زال في حدود وأحكام النهي عن المنكر، وقد حدث ذلك مبكراً في عهد الفتنة الأولى في صدر الإسلام وذلك عندما قرر فتية من المسلمين أن يحكموا على آخرين بالكفر لأنهم قتلوا مؤمنين عمداً، فكان عليهم حسب فهمهم أن ينهوا هؤلاء عن المنكر واستخدام اليد لردع المنكر حسب فهمهم الظاهر لنصوص القرآن الكريم والسنة، فكانت الفتنة التي أحدثت بين المسلمين الانشقاقات الكبرى، وما جاء على أثرها من تفعيل لرؤى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال تنظيم العمل الطوعي الاجتماعي أو المسلح ضد الممارسات الخاطئة.. في هذا الإطار تظهر أهمية الكتاب الذي كتبه الألماني مايكل كوك عن الأمر بالمعروف والنهي المنكر في الإسلام، والذي استهل كتابه المهم بقصة الصائغ أبو إسحاق إبراهيم بن ميمون، والذي دخل على أبي مسلم الخراساني وقال له (ما أجد شيئاً أقوم به لله تعالى أفضل من جهادك، فلأجهادنك بلساني، ليس لي قوة بيدي، لكن يراني الله وأنا أبغضك فيه) فقتله أبو مسلم..، فكان موقفه الديني والسياسي نابعاً من فهمه لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها واجبة على كل مسلم، وكانت سبباً لقتله..، وإعلاناً عن فتنة النهي عن المنكر بين العامة.. أدى البعد السياسي في فهم هذه الفريضة إلى اضطرابات وفتن لا يمكن حصرها في هذا المقال، لكني أستطيع القول إن التاريخ الإسلامي تم بناؤه من خلال هذا المبدأ، فالخروج السياسي في التاريخ الإسلامي قام على مبدأ فريضة النهي عن المنكر على كل مسلم مكلف، فكان حديث (الساكت عن الحق شيطان أخرس) والذي ورد في مسند الإمام أحمد يحظى باهتمام الذي يرون في النهي عن المنكر فرض عين..، كما أوجب حديث (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) فرض النهي عن المنكر عند رؤية المسلم لمنكر..