المذيع المثقف أزمة على الإعلام، أقصد حين يصبح المثقف مذيعاً.. يتحدث أكثر من الضيوف و"يمط" الأسئلة "مطاً"..مدة السؤال دقيقتان أو أكثر .. والخلاصة منه أنه "فلسفة". أحد الأدباء أصبح مذيعاً في القناة الثقافية، فاحتار بين أن يكون مذيعاً أو ضيفاً.. وفي النهاية مكانه المناسب هو الثقافة وليس التقديم. وقفت خلف مكان تقديم البرنامج، وكنت أنظر إلى المذيع وأستمع إلى تختيمة النهاية، لا أبالغ إن قلت أنها تجاوزت الدقيقتين وأكثر، وهي نفس مدة الأسئلة. ولو بقي هذا الأديب في مكانه المناسب مثقفاً لكان أنسب له من جميع النواحي، ولكن لا أحد يستطيع انتزاع حب الظهور وإمساك المذياع أو الوقوف خلف الكاميرات لأطول مدة ممكنة. الإشكالية أن المذيع المثقف، قد يصاب بالتعالي أحياناً، فمن الممكن أنه لن يرضى بالتوجيهات من المخرج أو المعد، لأنه باختصار يراهم أقل منزلةً وعلماً وثقافةً منه، ونسي أو تناسى أنه أجهلهم بالصنعة التلفزيونية التي دخل إليها من الباب الخلفي. الكاتب كاتب، ومثله الأديب والروائي ولاعب الكرة كذلك، كلهم قد يصبحون ضيوفاً مميزين يثرون الحلقة أو البرنامج أياً كان عنوانه أو محتواه، لكنهم قد يصبحون عالةً على الإعلام حين يصبحون مذيعين يمررون أجندةً معينة، أو يصفون حساباتهم.. وفي بعض الأحيان "يترززون". القنوات الأربع الجديدة في التلفزيون السعودي مكسب وطني للجميع، وهي بوابة لصناعة جيل إعلامي جديد وتوفير وظائف بالمئات في جميع مناطق المملكة، لكن بمسح ميداني بسيط داخل هذه القنوات، تجد عدم التأهيل والمحسوبيات، وموظفين لا يعرفون أبجديات التلفزيون ولا حتى مصطلحاته الخاصة. ولهذا، ومن هذا الباب والمنطلق والأساس والمنطق المتمنطق، نطلب من المثقفين واللاعبين والكتاب أن يبقوا في مجالاتهم، فالمجتمع بحاجة إلى تنويرهم أكثر من "الغثاثة"، ومتى استعد أحدهم لخوض التجربة مذيعاً – مثلاً – فعليه أن يترك خلفه كل التاريخ الذي قد يجعل منه بالوناً قابلاً للانفجار من شدة التضخم، وقبل ذلك أن يسأل ويصمت، لا أن يتنافس "من يتحدث أكثر".