واقع الحال مع الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية العرب ينطبق عليه القول:"اتفقوا على ألا يتفقوا", فاعتراض البعض على قرار جامعة الدول العربية منح السلطة الوطنية الفلسطينية اربعة اشهر لاجراء مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل,يشي بأن هذا البعض لا يريد لهذه القضية الحل, وإلا ليخبرنا المعترضون لماذا اعترضوا على القرار? والى متى سيبقون متمسكين بسياستهم الرافضة التي توظفها اسرائيل لمصلحتها في إطار زعمها السعي الى السلام فيما هم يرفضون اليوم ويقدمون التنازلات تلو التنازلات غدا? منذ العام 1948 واسرائيل تتاجر في هذا الامر في المحافل الدولية كافة, والعرب يقدمون لها البضاعة المناسبة. هم توهموا عندما رفع جمال عبد الناصر شعار رمي اليهود في البحر أنهم أثاروا الهلع في صفوف الاسرائيليين, وأنهم سيصحون في اليوم التالي وقد فر الاسرئيليون من كل فلسطين, لكنها احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وسيناء والجولان, و رأت في ذلك فرصة تاريخية استغلتها وعزفت على وترها كثيرا, ومضت في الضم والتهويد بينما بعض العرب يطلقون الشعارات تلو الشعارات ولا شيء غيرها. وفرحت تل أبيب أكثر عندما أطلق صدام حسين تهديده الشهير بأنه سيحرق نصف اسرائيل بالكيماوي المزدوج, بينما هو أطلق جنوده لغزو الكويت, وارتكب أبشع الجرائم في التاريخ العربي. قبل صدام وعبدالناصر أمطر العرب الحبيب بورقيبة بشتى أنواع تهم الخيانة حين قال لهم بعد زيارته الضفة الغربية ان يذهبوا الى مصالحة اسرائيل, وكانت فرحتها أكبر عندما خون العرب الرئيس المصري أنور السادات, وجيشوا شعوبهم ضده واغتالوه حين عقد صلحا معها. كل يوم يعلن العرب رفضهم التفاوض مع اسرائيل, ويقدم لها بعض الفلسطينيين, أمثال"حماس"ومن لف لفها الهدايا المجانية بالصواريخ والمتفجرات التي تفرح بها دائما وتزيد من تعنتها. وليس العرب وحدهم الذين يخدمون الاهداف الاسرائيلية, فها هو الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وربيبه في لبنان حسن نصرالله, لا ينفكان يقدمان الهدايا لها على أطباق من ذهب بتهديداتهما التي تزيد من التفاف العالم حول اسرائيل, وتزيد من العزلة العربية و التأكيد أكثر على وصم العرب والمسلمين بالارهاب. لم يسأل العرب أنفسهم في يوم من الايام لماذا تقدم اسرائيل نفسها كطالبة سلام بينما هي تمعن في الاحتلال والالغاء والضم, وهم يمعنون في التخلي عن المزيد من حقوقهم? منذ العام 1948 والعرب يرفضون الاعتراف بالهزيمة علنا ويكرسونها فعلا, ورغم ذلك يضعون الشروط تلو الشروط, وهي كما قيل في الامثال" كلام ليل يمحوه النهار" او شروط المؤتمرات تمحوها صفقات خلف الكواليس, بينما البعض الاخر يريد ان تستمر هذه الحال الى أبد الآبدين خوفا على كراسيهم وأنظمتهم, لان حال اللاحرب واللاسلم التي اسروا شعوبهم في زنزانتها هي أوكسجين انظمتهم, فلا هم حاربوا ولا أطلقوا التنمية في دولهم, وبقيت ثروات أوطانهم تذهب الى قلة منتفعة, فهل يخاف هؤلاء اذا سقطت تلك المراوحة في المكان ان يسقطوا معها? المؤسف حقا ان بعض العرب لا يقتنعون ان اسرائيل القوة المدعومة من الولاياتالمتحدة الاميركية وأوروبا وروسيا وحتى الصين تمارس لعبة تسويق نفسها جيدا في العالم, فهي تظهر بمظهر الديمقراطية الوحيدة في شرق أوسط يغرق بالقمع والقهر والتخلف, وانها طالبة سلام وساعية إليه, لكن الطرف المقابل يعمل على رمي شعبها في البحر, وهو محيط متوحش غير إنساني يقوم على رغبة القتل والابادة, والعرب يقدمون لها كل ما يخدم هذه الدعاية, بل للاسف يتنافسون على تشويه صورتهم في سوء التسويق الذي يمارسونه بكل سذاجة. لقد ترك العرب والمسلمون رسم صورتهم لحفنة من المتطرفين القتلة ك ̄ بن لادن "وحماس" و"حزب الله" وتشكيلة " تنظيمات القاعدة" و نظام ملالي طهران, ولم يبادروا في يوم من الايام الى توضيح الملتبس في صورتهم, وباتوا "بعبع" العصر في الاعلام العالمي, الى درجة ان الأقصى الان يتعرض الى واحد من أبشع الاعتداءات عليه,بينما الاعلام الغربي لم يحرك ساكنا, لان العرب جعلوا من كل رموزهم بضاعة تخدم اسرائيل وتخدم تهمة الارهاب. هل الذين اعترضوا على فرصة الاربعة أشهر للتفاوض لديهم الحل البديل? وهل هم فعلا قادرون على تسويق بديلهم هذا, بل هل هم يمتلكون الادوات اللازمة لتحقيق ذلك? ليس أمام العرب من مفر إلا النظر بواقعية الى ما هم عليه حتى يعرفوا أنفسهم جيدا, الا اذا أرادوا ان يكرروا مشهد الخروج من الاندلس ويبكوا كالنساء قدسا أضاعوها.