في ثنايا التقرير السنوي التاسع والأربعين، الذي قدمه معالي رئيس ديوان المراقبة العليا، إلى القيادة العليا بعض الأسئلة، لا عن البدهي فيما احتواه التقرير، ولكن عن مهمة ووظيفة الديوان الموقر. ماذا يفعل هذا الديوان بالضبط وما هي آلياته الرقابية وصلاحياته في محاربة الأخطاء ومكامن الخلل?. وإذا كانت مهمة ديوان المراقبة مجرد الرصد من أجل طباعة بضع نقاط على التقرير في نهاية العام، فالقصة، تحتاج إلى خبير لغوي، أكثر من حاجتها إلى ديوان عام للمراقبة. نستطيع، مثلا، أن نكتب هذه النقاط من مكتبنا المنزلي العامر، وتماما مثلما وردت في ثنايا التقرير الأخير، دون الحاجة إلى هذا الجيش الرقابي من الموظفين إذا ما كانت العملية مجرد مراقبة. نستطيع أن نكتب من مشاهداتنا العادية (أننا لاحظنا صرف عدد من الجهات الحكومية مبالغ دون وجه حق أو سند نظامي، وأننا لاحظنا عدم تجاوب بعض الإدارات في معالجة المخالفات والتجاوزات المتكررة، وأننا أيضا رصدنا تأخر تنفيذ بعض المشاريع الحيوية وتعثر بعضها وتدني جودة التنفيذ وضعف المتابعة والتراخي في تطبيق أحكام عقود تلك المشروعات... إلخ) ثم أقفلوا أقواس الاقتباس مع أنكم بهذه الأقواس أو بدونها تستطيعون كتابة بقايا التقرير التاسع والأربعين، وحتما تستطيعون كتابة تقرير العام القادم في الورقة الخمسين. وحتما لن نصل لشيء في مفاصل الأخطاء أو تجاوزات الأفراد طالما كانت المهمة مجرد الرصد في بحور القوالب اللغوية. نحن تعبنا ومللنا من المقاطع الإنشائية أو الإنشادية لا فرق، وأنا هنا لن أحمل ديوان المراقبة مسؤولية ما بعد التقرير لأن معاقبة هذه التجاوزات تحتاج لأذرعة إدارية وقضائية وقانونية وحقوقية وأنا أعني كل كلمة سقتها في هذه الجملة. أول من يدرك أن الطريق طويل جدا وبه آلاف التحويلات والمخارج والاستراحات المتجاوزون أو المتقاعسون ولهذا فإنهم أول من يدرك أن (وقت البراح) ما زال متاحا ومفتوحا وبساعة لا يوجد بقلبها عقارب. وإذا ما استمرأنا هذه الطريق الطويلة قبل أن نضع أول إشارة حمراء في أول طريق التجاوزات فسنكتب التقرير الثامن والتسعين (اليوم مضروبا في 2) قبل أن نصل إلى حل واحد للفقرة الأولى من هذا التقرير وحسبك أن تحسب الوقت لبقية الملاحظات والفقرات. إذا لم نختصر الطريق ستظل المسألة مجرد تقارير وأنا هنا لا أحمل الديوان العتيد وحده مسؤولية ما بعد التقرير. فقط نطلب منه أن يكون شفافا لأننا سنكتفي بالشفافية، منشورة على الملأ، حتى ولو لم نستطع بعدها أن نواصل بقية النشرة.