وفاة الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة    هل تسير كندا والمكسيك نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية؟    البرهان: القوات المسلحة لا ترغب في الانخراط بالعمل السياسي    حملة سورية على خلايا لحزب الله    ولي العهد ورئيس الوزراء الهولندي يستعرضان العلاقات الثنائية    كواكب أبوعريش.. ملكي جازان    ديوكوفيتش يتأهل لنصف نهائي ميامي المفتوحة    أبرز نجوم العالم على رادار دوري روشن    أمير الباحة يتابع الحالة المطرية ويوجّه بتكثيف جهود الجهات المعنية    أمانة تبوك وبلدياتها التابعة تهيئ أكثر من 170 حديقة وساحة وواجهة بحرية    أمانة الشرقية تزرع 5 آلاف شجرة و 10 آلاف وردة احتفاءاً بمبادرة السعودية الخضراء    برشلونة يهزم أوساسونا بثلاثية في الدوري الإسباني    جروندبرج: تحقيق السلام باليمن ضرورة ملحة لاستقرار المنطقة    إعادة النبض لمعتكف بالمسجد النبوي تعرض لنوبة قلبية    تنفيذ إخلاء طبي جوي من المسجد الحرام عبر مهبط الإسعاف الجوي الجديد    أمران ملكيان: خالد بن بندر مستشارًا في الخارجية والحربي رئيسًا للجهاز العسكري    الشراكة ثقة    مختص ل"الرياض": انتظار العطلات سعادة    التطوّع في المسجد النبوي.. تجربة تجمع بين شرف المكان وأجر العمل    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق منخفضة    جراحة مخ ناجحة تُنقذ معتمرًا مصريًا من إعاقة دائمة    «البيئة»: عسير تتصدر 6 مناطق شهدت هطول أمطار    رئيس وزراء كندا: زمن التعاون الوثيق مع أميركا «انتهى»    ألونسو ينفي الشائعات حول مستقبله مع ليفركوزن    "أوتشا" تحذّر من الآثار المدمرة التي طالت سكان غزة    النفط يرتفع وخام برنت يصل إلى 74.03 دولاراً للبرميل    تجمع جدة الصحي الثاني ينفذ حملة "صُمْ بصحة" لمواجهة الأمراض المزمنة    المواسي مديرًا لإدارة الموارد البشرية في بلدية بيش    عيد الحلاوة    جوائز كأس العالم للأندية 2025    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    يوم "مبادرة السعودية الخضراء".. إنجازات طموحة ترسم ملامح مستقبل أخضر مستدام    "مستشفيات المانع" تُطلق أكثر من 40 حملة تثقيفيةً صحيةً خلال شهر رمضان المبارك لتوعية المرضى والزوار    أمر ملكي: ترقية اللواء الركن صالح بن عبدالرحمن بن سمير الحربي إلى رتبة فريق ركن وتعيينه رئيسًا للجهاز العسكري    التعادل الإيجابي يحسم ودية الفتح والقادسية في الخبر    مركز الملك سلمان للإغاثة يتيح إمكانية إخراج زكاة الفطر عبر منصة "ساهم" إلى مستحقيها في اليمن والصومال    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر شوال مساء يوم السبت ال29 من شهر رمضان لهذا العام 1446ه    حرائق كوريا الجنوبية ..الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد    خدمة زوار بيت الله    الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإعلام السعودي    النفط يصعد والذهب يترقب تداعيات الرسوم    محادثات الرياض تعيد الثقة بين الأطراف وتفتح آفاق التعاون الدولي.. السعودية.. قلب مساعي السلام في الأزمة الروسية الأوكرانية    نائب أمير مكة يطلع على خطط إدارة الحشود والجاهزية لحج 1446ه    إحياء الموائد الرمضانية في أملج    السفارة السعودية في موريتانيا تفطّر الصائمين السودانيين على حدود مالي    تكثيف الحملات الرقابية على المسالخ وأسواق اللحوم والخضار بحائل استعدادًا لعيد الفطر    سوزان تستكمل مجلدها الثاني «أطياف الحرمين»    مأدبة إفطار في بيت العمدة غيث    تحدٍ يصيب روسياً بفشل كلوي    إطلاق مبادرة "سند الأبطال" لدعم المصابين وذوي الشهداء    ثمانية أعوام من الإنجاز والعطاء في ظل رؤية سمو ولي العهد    حملة تثقيفية للمحسن الصغير    أنامل وطنية تبهر زوار جدة التاريخية    مطبخ صحي للوقاية من السرطان    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    محمد بن سلمان.. سنوات من التحول والتمكين    عهد التمكين والتطور    ذكرى واستذكار الأساليب القيادية الملهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكفير ضبط وتحذير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن التكفير إنزال حكم شرعي، وقد قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 2]، وهذا الحكم الناس فيه بين إفراط وتفريط، فغلا قوم فتوسعوا في التكفير ببعض الكبائر، وجفا آخرون فأحجموا عن تكفير من لم يكفره الله ورسوله، وبينهما مراتب!
والمقرر عند أهل العلم أن التكفير منه واجب لا يكون إيمان العبد إلاّ به كالحكم بكفر اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الأصليين الذين لا يدينون دين الحق ولم ينتسبون إليه، وفي حكمهم المرتدون الذين أعلنوا الردة وقامت عليهم الحجة.
ومنه تكفير محرم قد يصل بصاحبه كذلك إلى الوقوع في الكفر المخرج عن الملة عند طوائف من المحققين كتكفير جملة الصحابة، أو من تواترت الآثار بفضائلهم؛ كتكفير علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وكذا أبنائه من الصحابة الأجلاء رضوان الله تعالى عليهم، وأولى منهم تكفير أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وقد شاع في هذه الأعصار ذم التكفير، ومراد أهل العلم بذلك التكفير غير الشرعي، كشأن ذمهم الكلام، والجدال، وكنهيهم كذلك عن التبديع، والتفسيق، وذلك لأن التكفير والتكفيريين هذه المسميات غدت أشبه بالمصطلحات –عند بعضهم- على فئات غالية، كما سمى بعض أهل العلم قديماً طائفة من طوائف الخوارج بالمحكمة، فغدا اسمها سمة ذم لطائفة مفارقة للكتاب والسنة، مع أن تحكيم كتاب الله فرض لا نزاع فيه، وسمى أهل العلم كذلك بعض من انحرف في القدر بالقدرية لغلوهم المثبتة منهم في إثبات القدر وغلو النفاة منهم في نفيه، فذموا القول بالقدر وهم يريدون على ذينك الوجهين، مع أن الإيمان بالقدر لا ينكره مؤمن، والمقصود أن ما شاع من الاصطلاح لبعضهم على ذم التكفير له وجه، فلا داعي للجاج فيه إن تبين مراد صاحبه، أما إن علم أن من يذم التكفير بإجمال يتذرع بذلك إلى إنكار التكفير الشرعي أو التفريط فيه فهذا هو الذي لا يوافق، بل هو على خطر إذا كان ينكر أحكاماً جاءت بها الشريعة، كتكفير من اقتضت كفره.. وأما من لم يعلم مراده فيستفصل منه، ويرشد إلى تبيين مراده.
ولعل من أسباب ما جرى عليه اصطلاح كثير من الأفاضل من ذم للتكفير من أسبابه خطر الغلو في التكفير، والغلو في التكفير يقع في الحكم بالردة على من ثبت له عقد الإسلام، ولايسمى تكفير سائر من لم يثبت له عقد الإسلام ابتداء غلواً في التكفير بل ذلك هو الواجب، وإنما يقع الغلو فيما يرتب عليه من أمور أخرى كقتال من لا يشرع قتاله من أهل العهد مثلاً.
ولعظم شأن الغلو في التكفير جاءت النصوص محذرة من المجازفة فيه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" [متفق عليه].
ولذا فإن مما ينبغي التأكيد عليه النهي عن الخوض في هذا الشأن الخطير إلاّ لمن تمكن في العلم، ولا يسوغ أن يخوض فيه متوسطو طلاب العلم ومبتدئوه الذين لم يفرغوا من تعلم الواجب عليهم، ثم هم عرض للخطأ فيه.
فخوض طلاب العلم في التكفير لمن ثبت له عقد الإسلام ابتداء بالولادة من أبوين مسلمين أو لفظ الشهادة أو أفعال أهل الإسلام المختصة بهم أو بغير ذلك مما يثبت به عقد الإسلام ابتداء، خوضهم في إنزال الأحكام على مثل هؤلاء خطر عظيم، لا لأن التكفير ليس بالحكم الشرعي لكنه حكم عظيم يحتاج إلى نظر دقيق وعلم عميق، يميز صاحبه أولاً بين ما يكفر به وبين ما لايكفر، وثانياً يحقق مناط ما قيل على ما تقرر، وثالثاً يحرر الأعذار الشرعية وعوارض الأهلية، ورابعاً ينظر في الأعذار ويبحث في كلام وفعال المتكلم ليعلم هل تحقق بعضها أم لا، وكل هذا لا ينبغي أن يخوض غماره من لم تكتمل أهليته ولم يفرغ من تعلم ما يجب عليه، وهذا في الجملة وإلاّ فإن بعض المسائل الجزئية أظهر من بعض.
والواجب على طالب العلم في الجملة كذلك أن يشتغل بما يجب عليه تعلمه ويترك ما لا يجب عليه، وقد غلط من ظن أن البحث في تكفير من ثبت له عقد الإسلام واجب، واستدل عليه بأن من لم يكفر الكافر فهو مثله!
لأن الكلام في قولهم من لم يكفر الكافر إنما هو في من ثبت كفره ابتداء كالكافر الأصلي، أو ثبت كفره كالمرتد بعد إقامة الحجة من أهل الشأن عليه، أما من لم يثبت كفره وقد ثبت عقد إسلامه فالأصل إسلامه، والبحث في كفر لإثباته لا يجب على مبتدئي الطلبة، بل جاءت النصوص محذرة من التسرع في التكفير ومعظمة خطره، بل استدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن على أئمة كعمر رضي الله عنه وأسامة وغيرهما رضي الله عنهم، واستدرك الصحابة بعضهم على بعض في وصف بعض الرجال بالنفاق وكادت أن تقع بينهم فتن بسبب ذلك، فكيف يسوغ لمبتدئ أن يدخل في شأن التكفير وهو مقر بأنه لا يحق له أن يدخل في ما دونه كالتطليق أو بعض مسائل الحيض؟! وقد كان بعض الأئمة يحجم عن الفتاوى في أبواب من العلم هي أقل خطراً من هذا كالطلاق، وبعضهم أحجم عن الفتوى في الحيض، فكان الإمام ابن عيينة لا يفتي في الطلاق ويقول من يحسن هذا!
وقال عبد الله بن المبارك حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -أراه قال في المسجد- فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا!
فكيف يسوغ لطالب علم مبتدئ أن يتقحم خطر التكفير وقد يبوء بشيء من الكفر هو إن لم يتحر ما يفسر قول القائل أو يبينه أو يعلم به عذره أو يخرج له به وجهاً محتملاً؟!
أما المفتي والقاضي ومن بمثله يحصل نصح الأمة وتحذيرها ومن قد يكون لفتواه وقع وأثر فهؤلاء شأنهم آخر.
أما طالب العلم فالواجب عليه إنكار المنكر بما يستطيع والأمر بالمعروف والدعوة إلى الهدى.
واشتغال طالب العلم بهذا كما يمليه حكم الشرع يمليه حكم العقل، فهذا ما يمكنه أن يحصل به الخير ويكسب به الأجر، أما تكفير المسلم إذا جاء من قبل من ليست له ولاية ولا مكانة فإنه إن أصاب في الحكم بالردة فلا كبير ثمرة لإعلانه والمجاهرة به عند العامة إذ لا يسمع لمثله وقد يثير فتنة أو يعرض نفسه لمحنة هو في غنى عنها، وأما تحذيره من يثق به فيحصل بأقل من إطلاق نحو هذا الحكم، والتشنيع على الفعل أدعى للقبول من التشنيع على الفاعل، وأكثر نفعاً إذ الفعل غير مختص بمعين، فكيف إذا تضمن الحكم مخاطرة؟!
وقد قال الإمام مالك: من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها.
وقال عطاء بن أبي رباح: أدركت أقواماً إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه لَيُرْعَد!
والشأن اليوم كما قال أبو الحسين الأزدي: إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر!
فاللهم أصلح الأحوال..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.