خلال الأسبوع الماضي قامت وزارة الدفاع الأمريكية بتجربة أثارت الجدل في مختلف أنحاء أمريكا وكانت حديث الناس على مواقع الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها فيسبوك وتويتر. التجربة التي أطلقتها وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة DARPA بمناسبة مرور 40 عاما على اختراع شبكة الإنترنت (في مفاهيمها الأصلية) كانت تحاول فهم آليات بناء المجتمعات الافتراضية على الإنترنت، وكيف يمكن لأشخاص لا يعرفون بعضهم أن يتواصلوا بشكل اجتماعي متكامل عندما يكون هناك أمر طارئ ما؟ انطلقت التجربة ببساطة عندما وضعت وكالة مشاريع الأبحاث عشر بالونات مخصصة لاختبار المناخ في عشرة أماكن عامة متفرقة في مختلف أنحاء أمريكا، وأعلنت جائزة مقدارها 40 ألف دولار لأول مجموعة تستطيع تحديد الإحداثيات الجغرافية للبالونات العشر. ومباشرة بدأت آلاف المجموعات في مختلف أنحاء أمريكا تبحث عن البالونات العشر، وتؤسس مجموعات للتواصل على تويتر وفيسبوك وغيرهما من مواقع الشبكات الاجتماعية، وصارت كل مجموعة ترتب نفسها بطريقة أو بأخرى، بينما البحث على أشده أعلنت مجموعة يقودها باحثون في مختبر التجارب الإعلامية التابعة لجامعة MIT الأمريكية التي تعد واحدة من أعرق وأهم خمس مؤسسات أكاديمية حول العالم، عن تحديد الأماكن العشرة خلال ثماني ساعات و56 ثانية فقط. ما فعلته مجموعة MIT تحديدا قام ببساطة على نظرية ''توزيع الثروة'' (التي تمثل واحدا من التطبيقات الرأسمالية المهمة) حيث قامت بوضع هيكل هرمي لإيجاد المعلومات، وخصصت أربعة آلاف دولار لكل بالون، ثم منحت المجموعة ألفي دولار أمريكي لمن يجد البالون، ومبالغ أقل لمن يكون الوسيط بين من يجد البالون وبين رئيس المجموعة، مع الإعلان عن التبرع بأي مبالغ فائضة للعمل الخيري، وذلك لإلغاء أي حافز لدى أي من المشاركين للاستئثار بالمعلومات وعدم نشرها بسرعة. في الوقت نفسه قام أعضاء من المجموعة بالبحث في الإنترنت ضمن فيض هائل من المعلومات والصور المزيفة عن أماكن للبالونات، حيث قام الآلاف بعرض أحداثيات جغرافية للبيع لأي من البالونات، وبالفعل بدأت عمليات النصب والاحتيال بالتكون سريعا، لولا أن الفريق الفائز أعلن النتيجة بسرعة مذهلة فاجأت كل المشاركين, إضافة إلى معهد الأبحاث. لو بحثت على الإنترنت ستجد مقالات كثيرة تحاول استخلاص الدروس المستفادة من هذه التجربة المثيرة، وما زال لدى معهد أبحاث الدفاع معلومات كثيرة تستطيع من خلالها تكوين نظريات عن كيفية بناء المجتمعات على الإنترنت، وكيف يمكن لأشخاص لا يعرفون بعضهم أن يصبحوا جزءا من نسيج واحد ذي هدف محدد خلال ساعات قليلة جدا. لعل الدرس الأهم من بين كل هذه الدروس أننا نعيش في زمن مختلف، زمن صار فيه المجتمع الافتراضي أكثر قوة وفاعلية من المجتمع الحقيقي، وذلك لأنه يتكون بسرعة، وينتشر عبر المكان وعبر كل التقاطعات، ويحقق أهدافه بأقل قدر من القيود والمحددات. هناك كثير جدا مما يمكن فعله عبر الشبكات الاجتماعية، ومراكز الأبحاث تحاول معرفة هذا وكيف يمكن أن يدخل مجال التطبيق الفعلي الإيجابي، وهناك ما يحصل فعلا دون تدخل، ولكن المؤكد بين كل هذا أن إهمال فهم الشبكات الاجتماعية وكيف تغير حياة الناس والمجتمعات هو أسوأ رد فعل ممكن لهذه الثورة الجديدة في حياتنا. أحد التصريحات الصحافية التي صدرت عن رئيس مركز الأبحاث الذي نفذ التجربة يعبر كثيرا عن هذا الدرس حيث قال: ''من ناحية علمية، نحن ما زلنا نخدش على السطح الخارجي في محاولتنا لفهم أعماق وتفاصيل نظام الشبكات الاجتماعية الضخم جدا. لدينا حاليا معلومات من هذه التجربة قد تساعدنا على فهم كيفية مواجهة وعلاج التحديات التي تواجهنا بينما نحن نعيش عالمنا اليوم، الذي أقل ما يقال عنه إنه شديد الترابط والتقاطع''. ختاما، اسرح بخيالك قليلا وتخيل كيف سيكون رد فعل شباب الفيسبوك والمنتديات لو أعلنت هذه التجربة في بلادنا، ثم أخبرني بما تظن أنه سيحصل حتى أكتب عنه الأسبوع المقبل.