مع التصريحات التي أدلى بها الشيخ أحمد الغامدي لصحيفة «عكاظ» بإجازة الاختلاط، موردا الأدلة الشرعية التي أرسلها كحجة لتلك الإجازة، انطلقت حملة تشويه للشيخ الغامدي من كل موقع إسلامي على شبكة الإنترنت. هذا الهجوم الشرس لو أردنا قراءته سنجد عشرات السلبيات المسيرة لعقول الكثير منا. أولها، عدم قبول أي رأي مخالف للسائد حتى لو جاء من داخل المنهج نفسه. وثانيها، عدم قبول الحجج الناقضة للأدلة القائمة بتحريم الاختلاط واعتبارها حججا واهية. ثالثهما، أن من يخرج على السائد مصيره النبذ والإقصاء. فبمجرد أن نشرت تصريحات الشيخ الغامدي حتى توالت الأخبار بإقالته من منصبه لجرأته في تجاوز الخط الأحمر. وهذه الأخبار (أو الهجوم الشرس) هو توجه أيدلوجي سياسي وليس تدينا أو تمسكا بالدين، فحين صرح ل «عكاظ أيضا» كبار علماء الأمة الإسلامية أمثال الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي والدكتور سليم العوا بجواز الاختلاط، وأن هذا المصطلح مصطلح حديث العهد (ولم ينزل الله به من سلطان)، حين صرح كبار علماء الأمة بذلك لم تنتفض فرائص هؤلاء الغاضبين، وكأن هؤلاء العلماء يتدخلون في إدارة (ضيعة خاصة) يجب إهمال رأيهم وكأنه جاء من حساد وناقمين على اكتمال تلك (الضيعة)، لكن إذا جاءت إجازة الاختلاط من شخص داخل (الضيعة) تحول الأمر إلى شيء نكر يجب فيه معاقبة هذا المتجاوز ونبذه ليكون عبرة لمن لا يعتبر. وقد تناقلت الأحاديث إقالة الشيخ الغامدي وتكاليف شخص آخر بإدارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة، واصفين القرار بأنه صدر من جهة رفيعة المستوى بالهيئة بسبب تجاوز الغامدي وتحليله ما حرم الله. وأضافوا أن بعض المحتسبين ذهبوا لمراجعة الشيخ وإجباره عن التراجع عن هذه الآراء، مع أن الشيخ نفسه قدم قبل أشهر آراء فاجعة يطالب فيها بإزالة وحجب مواقع أثرية، وقال إنها آراء خاصة لا تمثل الهيئة، تلك الآراء وجد الشيخ المعاضدين له والمساندين من نفس التيار الذي هاجمه بشراسة على إجازته للاختلاط، فلماذا لا يعتبرون ما قاله عن الاختلاط رأيا شخصيا كما فعل سابقا؟. المسألة واضحة، ففي الحالة الأولى كان رأي الشيخ الغامدي بإزالة المواقع الأثرية مبقيا على سكونية وسلامة النهج، ولذلك دعموه بالمناصرة بينما رأي إجازة الاختلاط يهز أركان سكون المنهج وإبقاء هيكل (التكلس) منتصبا كمقدس لا ينبغي أن يأتي أحد المنتمين والعاملين على إبقائه، يأتي لهدمه، ففعله سيجعل كثيرا من الأحكام الفقهية المختلف عليها تأخذ صبغة التعددية، وهذا هو غير المستحب عند هؤلاء. إذا، القضية يمكن أن تكون مدعومة ومرفوضة وفق إبقاء ما هو قائم في مكانه من غير أن يمس من الداخل. بينما تكون آراء علماء الأمة كالكبيسي والعوا هي آراء مغرضة وساعية لهدم أركان الاسلام من خارج الإطار المحلي، وهذا هو التحجر الذي يرفض التعددية الفقهية التي تأسست في العالم الإسلامي منذ البدايات الأولى. والسؤال كيف يكون الشخص مرضيا عنه أو مسخوطا عليه عند توجه ديني سياسي يأخذ من النصوص الدينية وسيلة للبقاء رافضا النقاش؛ كون النقاش أداة جلبت لنخر الإسلام، بينما الأسلام نفسه جاء متسعا غير مبتور ولا ضيق كضيق صدور هؤلاء، وما المذاهب الثمانية (التي أقرتها منظمة العالم الإسلامي في مكة) إلا دليل على قبول التعددية وتفهم اختلاف الأئمة في فروع كثيرة متعلقة بالحياة المعيشية والحياتية.