افعلها يا وزير التربية.. "هيئة أهلية" للمعلمين عبدالعزيز محمد قاسم - الوطن السعودية تلقيت اتصالات ورسائل عديدة من مسؤولين تربويين ومن زملاء معلمين، تشكر لي مقالة الأسبوع قبل الفارط (مسرحية المشاغبين تعود من جديد يا معالي وزير التربية)، وقال لي أحد القياديين التربويين بصراحته المعهودة: "الدولة تنفق المليارات على التعليم، دون أن نجد الأثر المأمول بسبب هذا المعلم الذي تحدثت عنه". فيما نفّس عدد من المعلمين عن دواخلهم بالشكوى من الأحوال التي وصلت إليها صورة المعلم، إلى درجة أن بعض أولياء الأمور بعدما كانوا في تلك الأزمنة القديمة يردّدون تلك الجملة التاريخية البائدة "خذ ابني لحما وأعده عظما" قد أعيد إحياؤها ولكن هذه المرة على المعلم المسكين - الذي جوبه بها تلميذا بفعل الثقافة المجتمعية إذاك، وطبّقت عليه اليوم بفعل تقاعس الوزارة عن نصرته - الذي يأتي صباحا للمدرسة لحما ويعود لبيته عظما. كتبت مقالات عديدة حول هذا المعلم وصورته ومكانته التي آل إليها، ولن ينسى أبدا المعلمون صورة زميلهم عبدالله الحربي، والدم يَثعب منه، ويغطي وجهه! وقد نشرتها الصحف قبل عامين، فضلاً عن معلّم الرياضيات، الذي تلقّى طعناتٍ من طالب بمدرسة الرميلة بالأحساء، وتنثال على ذاكرتي الكليلة صور متلاحقة، بدأت من حادثة مدرسة المرامية في تعليم ينبع، عندما حاصر عشرات الطلاب معلّميهم، وحبسوهم، واعتدوا عليهم بالأسلحة البيضاء، في مشهد هوليودي! لم يتصوّره أي تربوي، أو فرد في هذا المجتمع المسالم، ومرورًا بطلاب ثانوية رنية، الذين رشقوا معلّمهم بالأحذية، وبراميل النفايات! لتتوالى صور لحوادث لا تتوقف.. أحسن الإعلام في نقلها، وإظهارها أمام المجتمع، كي يُدقُّ ناقوس الخطر إزاء مكانة المعلّم التي تضعضعت، ووصلت للحضيض. وربما أعترف هنا – وأنا مَن أتى من عمق ميدان التربية والتعليم - بأن ما يظهر في وسائل الإعلام والصحف هو رأس جبل الجليد فقط، وإلاَّ فمئات الحوادث المؤسفة تقع للمعلّمين، ولكنّها تُحتوى في تلك المدارس، إذ ما الذي بيد المعلّم – المغلوب على أمره - وقتما تُطرح أمامه عشرات العُقل، والأشمغة، والمشالح.. تطلبه السماح والتنازل؟! بل ماذا يفعل المسكين أمام مديره - الرعديد - الذي يودّ ألا تشوّه صورة مدرسته أمام مسؤوليه، فيقوم بالضغط عليه، ويهدّده بالعواقب لكي يحوي المشكلة؟! بل ماذا يفعل هذا المعلم - المسكين - أمام فضيحة ستلاحقه في المجتمع، بأنه ضُرب من صبية مراهقين، أو هُشِّمت سيارته، أو نِيل من عِرضه، وشتم، فيضطر اضطرارًا إلى بلع الأسى، ومضغ القهر، وكتم حسرته في نفسه، ومن ثمّ التوقيع على المحضر الجائر؛ بتنازله الذي أُخذ منه بسيف الزمالة، والقبيلة، وقلة الحيلة! وهو الذي يدرك يقينًا أنه لا طائل، ولا جدوى من مسار بيروقراطي سينخرط فيه لنيل حقه، وربما يتقاعد ولم تنته قضيته! بَلهَ أن يحلم حتى بوقوف مسؤولي التعليم معه إلاَّ بالكلام. حكايات تترى يتداولها المعلمون في منتدياتهم، وقصص تبلغ في تراجيدياتها الضحك والحزن في آنٍ، بل إنَّ رجلا تربويا في مقام د. غازي عبيد مدني سمعته مرارا وهو يجزم بأن وضع المعلّم المتردّي اليوم لم يصله، ولم يكنه أبدًا عبر تاريخنا الإسلامي كله، وعلى ذلك تأكدوا أيُّها السادة أننا إذا لم نُعِدْ للمعلّم مكانته، وهيبته، وثقته بنفسه، فإن المجتمع سيدفع أكلاف تضعضع مكانة مربي الأجيال، عندما نفيق وقد انبجس أمامنا جيل متفلّت، وغير مسؤول، أو مبالٍ- وربّما كانت هذه الحوادث نذره وطلائعه - تذكّروا وقتها أننا كلنا مسؤولون عن ذلك عبر سكوتنا على هذا الوضع والمآل الذي انتهى إليه المعلّم. سبق لي توجيه دعوة إلى معالي وزير التربية والتعليم السابق الدكتور عبدالله العبيد، تبددت في أروقة الوزارة وانتهت للدرج الشهير الذي توأد فيها الاقتراحات، وها أنا أعيدها لسمو الأمير الذي هو الأسُّ الآن في الميدان التربوي، والأبُ لكل المعلّمين والمعلمات، بأن يتفاعل مع نداءات تكررت بإيجاد هيئة أهلية للمعلمين، على غرار هيئة الصحفيين، وهيئة حقوق الإنسان، وما حكّ جلدك مثل ظفرك، إذ لا حلّ لمشاكل المعلمين، ونيل حقوقهم إلاَّ عبر هيئة تنبثق منهم، تُحاكي هيئات المجتمع المدني التي نعرف، كي تقوم بالدفاع عن المعلّم، وتترافع في المحاكم، وتأخذ بحقه. وبالتأكيد ستكون مستقلة عن الوزارة ومسؤوليها، فأحيانًا يكون المسؤول هو الخصم. ولن يجرؤ أولئك الممثلون الهزليون، ومن ورائهم كتّاب السيناريو المولغون في الايدولوجيا العمياء، بل حتى رسامو الكاركتير المستهترون سيرتدعون، وقتما يعرفون أن هذه الهيئة ستقوم بمقاضاتهم أمام وزارة الإعلام إن هم غالطوا وانحازوا للكذب لترويج برامجهم الساخرة على حساب صورة معلم الأجيال. سترون ثمار وآثار مثل هذه الهيئة عبر بضع قضايا سيغطيها الإعلام من صنف القضايا التي عرضنا، ويقينًا سيتأدب أولئك الذين استرخصوا عِرض المعلّم، واستمرأوا ضربه، وإهانته، والسخرية منه في برامجهم أو صحفهم عندما يعلمون أن خمسمئة ألف معلّم ومعلمة هم خصومهم، وليس ذيّاك المعلّم لوحده، بل حتى المعلّم ليشعر حينها أنه يتكئ إلى ركن متين، وأن لديه (عزوةً) يتحزّم بهم في نيل حقه أمام تلك المشالح المتمددة، أو المدير الجبان، ولا يحمل همَّ المحاكم وأكلافها المادية. إضافة إلى أن مثل هذه الهيئة المدنية ستقوم بفعاليات مهنية أخرى تصبُّ في مآلاتها في صالح المعلم والوزارة، من مثل التأمين التعاوني، والصحي، وتطوير أداء المعلم، وتوعيته بواجباته الوطنية والاجتماعية. افعلها سمو الأمير وتبنَّ إنشاء هذه الهيئة، فأنت أحد رجال عهد الملك عبدالله