محمد بن عبدالله المشوح - نقلا عن عكاظ السعودية ليس لنا إلا الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله أن يكشف ويدفع السوء عن جدة. لقد كانت فاجعة «الأربعاء» التي ذرفت معها عيون، وترملت معها نساء، وفقدت أسر عائلها وكبيرها مصيبة وطنية عظيمة، كشف ألمها وحرقتها خطاب خادم الحرمين الشريفين أيده الله الخالد الصريح الواضح، حيث وضع النقاط على الحروف، ولمس الجرح بلا خجل أو وجل أو مواربة؛ ليعلن ميلاداً جديداً ل «جدة» العروس التي تستحق منا وقفة معها في هذه المحنة، حيث تعاد طرح التساؤلات التي طالما طرحت، وارتفعت معها الأصوات، وبحت في المناداة بإصلاح الواقع المرير للخدمات في هذه المدينة، التي ينخر سوء التخطيط والفساد الإداري في عظامها. إن من حق المواطن والمقيم الذي يعيش في أروقة هذه المدينة أن ينعم على الأقل بالأمان التنموي والخدماتي الذي بات خطراً يهدد الأجيال، كما أكد خادم الحرمين الشريفين. وفي كل كارثة تعود أسطوانة الوعود والعهود بأن عصر الكوارث والمآسي والغرق لن يعود من قبل بعض المسؤولين هناك ممن لا يرعى قيمة للإنسان. «جدة» ليس صحيحاً أنه سيتم التعامل معها مثل باقي مدن المملكة، وهي التي عاشت كما صرح بذلك عدد من المسؤولين وعلى رأسهم أمين جدة الحالي عقوداً من الأخطاء والتجارب الفاشلة، بل وأضيف عليها التجاوزات الإدارية والاختلاسات المالية، التي ضاعت معها مئات الملايين من الريالات مع مشاريع وهمية ووعود وردية وعصابات منظمة «شفطت» أموال الوطن كما ستشفط الوايتات مياه جدة الغارقة. الأمل والمطالبة إلى سمو أمير المنطقة المخلص خالد الفيصل ألا يتم وضع الخطط فحسب لتدارك الوضع المزري الذي تعيشه جدة، بل وفتح الملفات السابقة لها واستدعاء المسؤولين السابقين الذين كانوا السبب الرئيسي في هذه الحالة المأساوية. إن استدعاء سلطة المسؤول، واستحضار الرقابة، واستشعار المساءلة، هو السبيل لإصلاح العقود المتراكمة، والتي أخشى أن يقول أحدهم مقولة بائسة مرادها «لا يصلح العطار ما أفسده الدهر». وإذا كانت الأيام تمضي ولسان حالنا أن أولئك ليسوا سوى «أمة قد خلت لها ما كسبت» فإن القادم أسوأ بكثير مما فات ومضى. لقد كنت، كمحام ورجل قانون، أدلف وأرقب الجهات الحكومية وأدرك مآلات الإخلال بالأنظمة وخطورة استشراء الفساد في المجتمع، وغيري كذلك ممن يحذرون من وقوع الواقعة في «جدة» بعد أن بلغت الفوضى والعشوائية والمصالح الشخصية مبلغاً تستدعي ليس على كارثة «الأربعاء» فحسب بل على كوارث إدارية ومالية. وسوء التخطيط يكفي شاهداً منه تلك الأنفاق المشيدة حديثاً، والتي لم يمض على افتتاحها سوى شهور قلائل، كانت على رأس قائمة الفضائح يوم الأربعاء، وتبدى بكل وضوح الخلل الذي تعانيه جدة وأمانتها وجهات الخدمات فيها. لقد آن الأوان أن يصرخ الغيور والمواطن المثقف بأن المخطئ ينبغي أن ينال جزاءه وعقابه، وألا تضيع أرواح وحياة الناس سدى بأعذار وهمية مفادها تحميل اللاحق للسابق مسؤولية ما جرى. لقد تبدى بإرادة الله وقدرته أن الخلل في جدة يشمل كل القطاعات الخدمية الطرق والمباني والمياه والصرف الصحي. إنها المدينة الوحيدة التي تستطيع أن تقيم مبنى لك بلا رخصة من البلدية بشرط..! وهي المدينة الوحيدة التي تبقى معاملة رخصة التسوير فقط بها لمدة تتجاوز سنة إلى سنتين ولن تنتهي إلا بشرط..! وهي المدينة الوحيدة التي باستطاعتك إقامة مظلات لسيارتك وتسوير الأرض المجاورة لبيتك بشرط..! وهي المدينة الوحيدة التي تستطيع إقامة محلات عبارة عن صناديق من النيكل والصفيح ولكن بشرط..! إن البلاء عظيم في جدة «العروس الخجلى» التي تبادلت وكالات الأنباء العالمية مصيبتها وصورها وهي تمسح عيون الألم للمصيبة محاولة استرجاع أحلامها الجميلة مرددة جدة أم الرخاء والشدة.