عبدالرحمن الراشد - * الشرق الأوسط اللندنية السويسريون من أكثر شعوب أوروبا تحملا وتسامحا وتعايشا بدليل مجتمعهم المكون من خليط، من ثلاثة شعوب تتحدث الألمانية والفرنسية والإيطالية، ولا يوجد بلد آخر في العالم يحمل نفس المكونات ويعيش في سلام تحت سقف واحد مثله لمئات السنين. لكن جاء منع بناء المآذن ليمتحن فئتين، الأولى عينة من الأوروبيين هم أهل جنيف، والثانية هم المسلمون من سكان الدولة، وهو امتحان كبير للعالم كله، المسلمين والآخرين. هذه المرة بثقة أقول إن المسلمين نجحوا فيما كانوا يخفقون فيه في الماضي في معالجة كل قضية يشعرون أنها موجهة ضدهم وتثير استفزازهم، دينية أو سياسية أو شخصية. ونحن ندرك أن كثيرا من المسلمين يعانون من شعور عام بالاضطهاد، أحيانا عن حق وأحيانا عن خطأ. ولا بد أن تصويت منع المآذن أحبط الأكثرية من حيث المبدأ. المسلمون خسروا بناء المآذن لكنهم مع هذا نجحوا لأنهم لم يحرقوا أعلاما، ولم يهددوا أحدا، ولم يسيروا مظاهرات صاخبة في أربعين مدينة في أنحاء العالم. الأغلبية كانت ضدهم في سويسرا، صوت 75 في المائة على منع بناء المآذن وألزموا بذلك الحكومة رغم اعتراضها عليه، فالنظام السويسري يقوم على استفتاء مواطنيه في كل شاردة وواردة أكثر من بقية الشعوب الأوروبية. المسلمون كسبوا لأن اعتراضهم كان منطقيا ودستوريا وأخلاقيا وكان حضاريا، احتجاج بلا صخب أو إساءة أو اعتداء. لماذا رد الفعل جاء هادئاً؟ هل لأن الممنوع هو بناء المآذن فقط وليس بناء المساجد أو المدارس؟ أم أنهم ملوا من المظاهرات والاحتجاجات؟ أم لأن مسلمي سويسرا من أصغر الجاليات المسلمة في أوروبا، أقل من أربعمائة ألف؟ أم أن هناك وعيا في فهم القوانين واطلاعا أكثر على ديناميكية العمل السياسي في هذه الدولة الحرة سياسيا؟ أعتقد أن كل ما ورد أعلاه صحيح. والأهم في نظري أن هناك وعيا ينمو عند القيادات الإسلامية بأن التعبير عن الغضب في الشوارع بأسلوب العنف لا يرد حقا بل يسيء ويزيد سمعة المسلمين سوءا. السياسيون السويسريون الذين علقوا معترضين على القانون وعلى النتائج، كرروا عبارة مهمة وهي أن رد الفعل الشعبي في الاستفتاء جاء نتيجة للصورة السيئة عن المسلمين. ومع أنه من الخطأ أن تعاقب جماعة بسبب أفعال أفراد، فإن هذا هو الواقع المعيش في أنحاء العالم غير الإسلامي، فالمسلمون يعيشون أزمة صورة سيئة ليس في أميركا وأوروبا فقط، بل في روسيا والصين ودول جنوب شرق آسيا وغيرها. لكن ما يميز دولا مثل سويسرا أنها منفتحة وتقبل الاستماع إلى وجهات النظر المتعددة. ولأن اليمين المتطرف شن حملة تخويف ضد المساجد والمآذن والمسلمين عموما، فإنه أفلح في كسب التصويت لكن بأغلبية بسيطة، مما يعني أنه لو قامت القيادات الإسلامية بشرح وجهة نظرها وطمأنت الإنسان السويسري، ربما كانت نجحت في قلب الميزان لصالح بناء المآذن وغيره. المطلوب كان ستة في المائة فقط من المقترعين أن يغيروا رأيهم. نتيجة ليست سيئة في ظل حملة التخويف مقابل لا حملة من الطرف الآخر.