محمود سلطان - نقلا عن الاسلام اليوم الأزمة المصرية الجزائرية التي اندلعت عقب مباراة "أم درمان" بين البلدين، لم تكن فقط كاشفة لجدوى مبدأ "تصدير الأزمات" للخارج، لتأجيل الحل ل"أزمات الداخل"، وإنما كشفت عما هو أخطر، حين أظهرت أن الحدود السياسية و"حرس الحدود" بين دول العالم الإسلامي، لم يكن فقط على "الأرض" وعلى "الخرائط" .. وإنما بات بالتراكم وحكم الإلف في القلوب والضمائر والوعي العام. البلدان على سبيل المثال يعانيان من أزمة "نقل السلطة".. صحيح أنها في الجزائر بدرجة أقل، إلاّ أنهما يشتركان في تنامي قلق النخبة من مستقبل التقاليد التي أرساها النظام السياسي في كلا البلدين على مدى الخمسين عاماً الماضية.. ربما تكون الأزمة هي الأعلى صوتاً في مصر، بحكم الحريات الإعلامية الواسعة التي ظهرت في السنوات العشر الأخيرة، وهي مكاسب منتزعة وباتت مستقرة ومتجاوزه للقوانين القديمة التي تجرمها على النحو الذي يعيق استدعائها إلاّ في حالات نادرة تكاد تكون في حكم المعدومة، ومع ذلك فهي وإن كانت مكتومة في الجزائر إلاّ أنها باتت حاضرة وبقوة من خلال المخاوف من انقلاب دستوري "هادئ" قد يقوده "البيت الرئاسي" يتطابق مع ما يتوقعه المصريون في بلدهم في مرحلة ما بعد النظام الحالي الذي يحكم بشرعية أكتوبر عام 1973.. وذلك بجانب قواسم مشتركة أخرى، تجمع البلدين في مربع واحد، هو تآكل الطبقة الوسطى المناط بها حفظ منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية والحيلولة دون انهيارها.. لتتقاسم البلد طبقتان وحسب: فقيرة تعيش على أقل من دولارين في اليوم الواحد، وأخرى ثرية تمثلها طبقة "رجال الأعمال" في مصر من جهة.. و"النخبة الأمنية" في الجزائر في الجهة الأخرى، خاصة تلك التي شاركت في المواجهات الدامية مع الجماعات المسلحة في العقدين الماضيين.. مما خلف ثقافتين للبلد الواحد، وعلى الرغم من أنهما يصدران من طبقتين مختلفتين (الفقراء والأثرياء) إلاّ أنهما يشتركان بصفتهما معول هدم لمنظومة القيم السائدة في مجتمعين محافظين، و العمل على تجفيف منابع الوسطية والاعتدال بشقيه السياسي والمعتقدي، وإضفاء شرعية مجتمعية على العنف باعتباره "الأصل" في انتزاع الحقوق وليس بالاحتكام إلى القانون ومنصّات القضاء. وأحد أهم القواسم المشتركة بين مصر والجزائر، هو وجود قوتين معاديتين للعروبة والإسلام: "الفرعونية" في مصر، و"الفرانكفونية" في الجزائر، الأولى يقودها الليبراليون والعلمانيون المتطرفون والتيارات المرتبطة بالمشروع الطائفي للكنيسة المصرية، والثانية تهيمن على ما يُسمّى ب"مؤسسات القوة" في الجزائر مثل الجيش والمخابرات والداخلية، وعدد من مؤسسات وأجهزة صناعة اتجاهات الرأي العام. غير أن أبرز السياقات المشتركة في خبرة البلدين السياسية، هي أنهما شهدا حروباً أهلية دامية بين الجماعات الإسلامية المقاتلة والدولة امتدت إلى ما يقرب من عقدين متتالين، انتهت بهزيمة الأولى "عسكرياً وأيديولوجياً"، وخلفت أضراراً جسيمة على الحالة الإسلامية عموماً، خاصة الفصائل المعتدلة منها، وحرمتها من ثقة المجتمع السياسي والنخبة في مدى استقامة رغبتها في التعايش السلمي مع الدولة ومع المخالفين كذلك بدون الاحتكام إلى السلاح، مما أحالها إلى قوى سياسية "خجولة" وخافتة اجتماعياً، وتميل إلى "الانزواء"، تاركة فراغاً كبيراً تمدد فيه، وشغله التيار العلماني و"الفرعوني" المتطرف والمرتبط بالقوى المالية الجديدة والحاضنة لمشروع التوريث في مصر، والتيار الفرنفكوني الاستئصالي في الجزائر، والمرتبط أيضاً بالنخبة الأمنية الساهرة على تأمين تمرير مشروع رئاسي مشابه في الجزائر.. وهما التياران اللذان شاركا في إشعال الحرائق بين البلدين عقب مباراة أم درمان في السودان يوم 18 نوفمير الماضي، لاستثمار اللحظة وقطف ثمار الغفلة وتمرير مشاريع سياسية كانت في حاجة ماسة إلى مثل هذه الحشد الجماهيري الواسع لإضفاء شرعية "مزيفة" أو ملفقة" عليها.