عاشت المحاكم الجزائرية، نهار أمس، على وقع هاجس جديد فرضه قانون جديد للإجراءات المدنية والإدارية في البلاد يقضي ب «تعريب» كل مراسلات المتقاضين. وإذا كانت الحكومة الجزائرية تعتقد أنه سيكون سهلاً التعود على الإجراءات الجديدة، فإن الخطوة «أيقظت» الصراع بين التيار التعريبي وبين التيار الفرونكوفيلي والمستمر في البلاد منذ فجر الاستقلال عام 1962. ومع بدء تطبيق القانون الجديد يكون القضاء القطاع الجزائري الأول الذي «عرّب» هياكله بصورة كاملة. وصادق البرلمان الجزائري قبل سنة على القانون الجديد للإجراءات المدنية والإدارية. وترك هذا القانون مهلة عام أمام رجال القضاء للتفكير في طريقة التأقلم مع الواقع الجديد بهدف «تعريب» كل المراسلات والوثائق سواء من المحامين أو المتقاضين. ومنع القانون الجديد القضاة من تلقي وثائق بغير اللغة العربية. و «تعطلت» الإجراءات القضائية، أمس، في مجلس قضاء العاصمة حيث كان يقف عشرات المحامين من نقابة الوسط (الجزائر). وقال المحامي خيار الطاهر ل «الحياة» أمام بهو المجلس، إنه ينتظر عائلة موكله كي تستكمل «(ترجمة) وثائق تتعلق بعقد إيجار محرر باللغة الفرنسية». وزاد: «الإشكالية طُرحت لدى المترجمين المعتمدين ممن يفتقدون قاموساً لغوياً قانونياً باللغة العربية». وأعلنت الجزائر في 1998 قانوناً لتعميم التعريب في البلاد، لكن هيمنة اللغة الفرنسية ظلت واقعاً، سواء في المراسلات الرسمية للهيئات الحكومية والإدارية. ويقول مدافعون عن فكرة التعريب إن عدم نجاح القانون ليس نتيجة عيب في اللغة العربية وإنما ل «لنفوذ التيار الفرونكوفيلي في دوائر السلطة». ويقول نقيب المحامين عبدالمجيد سليني إنها «مسألة وقت لا أكثر»، ويشير إلى أن الإشكال «ليس لدى الدفاع ولكن لدى المتقاضين في البحث عن مترجمين». ويخوض حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الغالبية في البرلمان والحكومة، حملات حول ملف اللغة ومشكلة التعريب والفرانكفونية في الجزائر. لكن جهوده لم تتعد حدود «الخطابات»، في حين رفع الحزب الإسلامي، حركة مجتمع السلم، قبل عامين، اقتراحاً أمام البرلمان لتفعيل قانون التعريب لكن مبادرته «ماتت في بدايتها». وتتخطى استعمالات الفرنسية في الجزائر حدود الرسميين، إذ يستعمل السواد الأعظم من الجزائريين الفرنسية (نتيجة الموروث الاستعماري) في تعاملاتهم اليومية. وكتبت يومية «ليبرتي» الناطقة بالفرنسية في عددها أمس أن «الضحية» في تطبيق الإجراءات القانونية الجديدة هو «المواطن البسيط الذي سيتحمل أعباء ترجمة الوثائق الرسمية من الفرنسية إلى العربية» خصوصاً أن الترجمات لا تقبل سوى من «مترجم معتمد لدى المحاكم».