لو وقعت حادثة أو كارثة حريق مستشفى الأمراض النفسية ببريدة التي راح ضحيتها 6 شهداء نصفهم من المرضى ونصفهم من الممرضين في إحدى دول أوروبا، لرأينا تعاطيا إعلاميا مختلفا مع الموضوع. في مثل هذه الحوادث يتم منح الأهمية الكبرى للأخبار والتقارير التلفزيونية والصحفية التي تركز على الجانب الإنساني. بدون ذلك فإن الحقائق لن تتكشف والإعلام لن يستطيع كشف المستور وتوضيح وجوه القصور التي تتسبب في وقوع مثل هذه الحوادث التي يروح المواطن العادي ضحية لها. السبب في اختلاف أسلوب تعاطي وسائل الإعلام الأوروبية مع وسائل الإعلام العربية، هو أن وسائل الإعلام العربية تسييساً، بينما تظل وسائل إعلامهم رغم كل ما نأخذه عليها، أكثر أنسنة. لقد رأيت بأم العين أثناء تواجدي في بعض رحلاتي لبريطانيا، كيف يتم تنحية الأخبار السياسية مهما كانت أهميتها لصالح الأخبار الإنسانية على شاشة قنوات مثل (بي بي سي) المحلية. هذه المحطات كانت تستهل نشرات أخبارها الرئيسة بوقوع حوادث مثل اختطاف طفل أو العثور على جثة فتاة في إحدى الغابات ومن ثم تقديم تقرير عن حفل تأبين الضحايا في محاولة لتأجيج مشاعر الشارع ضد هذه السلوكيات المنحرفة التي تقف وراء ازدياد نسبة الجريمة في المجتمعات الغربية. الإعلام العربي يحتاج إلى أن يتخلص قليلا من التسييس ليدخل فضاء الأنسنة .