تقول الصحفية السودانية، لبنى حسين، التي أصبحت علماً بعد النسيان لمجرد أنها لبست بنطال الجينز وخالفت به قواعد المرأة في مجتمع محافظ: من مهمات الحكومة أن تدخل الأولاد للمدارس وأن تدخل المرضى للمستشفيات والمجرمين للسجون ولكن ليس من بين مهمات الحكومة أن تدخل الناس إلى الجنة. وبالطبع هي تتحدث عن قضيتها التي شغلت الرأي العام في بلدها وخارجه حين حوكمت وصدر عليها حكم بالسجن والجلد لأنها أصرت على خلع ثوب المرأة واختارت أن تلبس الجينز. وللأسف الشديد، وكم أسفت كثيراً في جل مقالاتي هذا الأسبوع، أن – جملة – مبتكرة بكل الخبث مثل جملة الصحفية السودانية، لبنى حسين، آنفة الذكر، قد تتحول إلى فرمان اجتماعي لكل الذين يحاولون تبرير الجنح، والقصة برمتها في تداعياتها أعمق من مسألة امرأة وبنطال من الجينز. نعم، وبالفم المليان، ليس من مهمات الحكومة أن تدخل الناس إلى الجنة ولكن: المجتمع لم يكن - ولن يكون - حمىً مستباحاً لأن الذين يروجون للجنح والانحراف والخروج عن الأعراف والتقاليد قد يستخدمون هذا – الفرمان – المطاطي بطريقة لا أخلاقية، أنا لا أتحدث عن لبنى وبنطال الجينز. أتحدث عن الإباحية الأخلاقية التي غزت أسواقنا بأفلام الخلاعة المدمجة حتى صار العاقل من بيننا يفتش حقائب أطفاله المدرسية، فهل الحرب على هذه الأفلام جزء من عبث الحكومة لإدخال الناس إلى الجنة أو شيء من مسؤوليتها للحفاظ على البناء الاجتماعي؟ وللأسف الشديد، مرة ثانية فإن تبرير القضية ليس بأكثر من حرية الإعلام والنشر طالما كانت مجتمعات غيرنا تسمح ببيعها في الهواء الطلق. هل الحرب على الخمور والمخدرات شيء من سطوة الحكومة لكي تدخل الناس إلى الجنة أم إنها أيضاً في صلب واجبها الأساسي وخصوصاً بعد أن دمرت هذه الآفة سواد من جيل جديد مستهدف؟ للأسف الشديد أن التبرير مع الخمور، مثالاً، سيأتي لنا بكل الأمثلة في شرق الدنيا وغربها التي تسمح ببيع الكحول حتى أصبح مجتمعنا في مثالية بيع الخمور قصة إعلامية مع أننا لسنا في حاجة أبداً لأن نبرر قرارنا لأحد. القرار هو أمر الله عز وجل، فهل ستقول لنا لبنى حسين اذهبوا إلى الله ليدخلكم الجنة؟ هل نعتبر جهاز هيئة الأمر بالمعروف فرضاً إلهياً أم إنه مجرد اجتهاد من الحكومة كي تدخل الناس إلى الجنة؟ وهل سيأخذ البعض هذا التبرير لمجرد أننا قد نختلف مع الجهاز في بعض الوسائل والوسائط واجتهادات بعض أفراده؟ أم إننا مؤمنون بأن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة إسلامية من أجل الدنيا والحياة وبناء المجتمع قبل أن تكون مهمة للآخرة والجنة.