لا يختلف اثنان أن الخطط الاستراتيجية هي الأبلغ تأثيرا في مسيرة الأمم والشعوب والمجتمعات، ذلك أنها تبنى على أسس علمية تستقرئ المستقبل وتطمح للأفضل على المدى الطويل، بعيدا عن التكتيكات المرحلية التي تعتمد على المدى القصير، قصير النفس وقصير الرؤية وقصير الطموح. حين تبنى الخطط الاستراتيجية فإنها تأخذ في حسابها على الأقل جيلا كاملا من المواطنين فضلا عن أجيال متكاثرة، والجيل حسب ابن خلدون وغيره يحسب بثلاثة وثلاثين عاما، أو ما يقاربها، كما تأخذ بالاعتبار كل المتغيرات والمستجدات وتضع الآليات المرنة لمواجهة كل مستجدات الواقع ومشكلات التغير والتطور، إذا فالسعي لبناء الخطط الاستراتيجية يجب أن يضع في اعتباره هذه المقاييس وأمثالها. نستطيع قول هذا فيما يتعلق بكثير من السياسات والغايات، من سياسة الدولة وغاياتها الكبرى خارجيا وداخليا، في الخارج وما يتعلق بعلاقاتها الخارجية مع العالم، والصورة التي ترسمها لنفسها لدى العالم كله، والمكانة التي تسعى لأن تتبوأها في سلم التنافس والصراع العالمي، وفي الداخل وما يتعلق بسياساتها الداخلية وتكاملها فيما يخدم أهدافها العليا وغاياتها المرسومة وحرصها الدائم على الاستقرار والأمن والرفاه، وأي خلل يحدث في شيء من تلك السياسات سواء كانت خارجية أم داخلية قد يضر بمجمل الخطط الاستراتيجية ويودي بها إلى مستوى لا يمكن أن يرتضى. في الماضي القريب نشر الرئيس الأمريكي مقالا يتحدث فيه عن خططه الاستراتيجية حتى العام 2020م، وأسهب في الحديث عن الاقتصاد وتوفير الوظائف ونحوها مما يهم المواطن الأمريكي العادي، ومن حقنا أن نقارن بين الدول المتقدمة وبين أوضاعنا في العالم الثالث، بإجمال إن أردنا اللحاق بالركب الحضاري الذي يغذ سيره للأمام، وأن نستنتج أنه إذا كان هذا ما تسير عليه الدولة الأكبر في العالم والتي تربطنا بها علاقات استراتيجية طويلة الأمد، وهو ما تفعله معظم الدول المتقدمة وما يشير به أولو الرأي والعقل والمشورة، فإن الواجب علينا أن نحذو حذوهم وأن نزيد عليهم في مدى رؤيتنا وتطلعاتنا ذلك أننا ننعم باستقرار سياسي ووفرة دخل تؤهلنا للتنافس في هذا المجال، ومقارنة بسيطة بيننا وبين الهند أو ماليزيا أو سنغافورة أوغيرها من الدول تمنحنا مزيدا من الرؤية والبصيرة فيما نستهل وما نخطط وما نطمح. يجب أن يكون مخطئا من يحسب أن ما لدينا لا يعدو خططا خمسية فحسب، ويجب أن يكون مخطئا من يحسب أن وزارة مثل وزارة التخطيط لا تسعى لتخطيط طويل الأمد، بل تتلقى خططها من قبل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، التي تتغير رؤاها بشكل مستمر وتتقلب حسب ظروف عملها ومتطلباتها اللحظية ومشاكلها الآنية، التي تتطلب حلولا سريعة وقرارات مستعجلة. مهم جدا أن تتم المواءمة بين الرؤى الاستراتيجية والمتطلبات المستعجلة على الأرض، وأن يكون بين كل هذا الحراك تناغم متكامل، يضمن تلبية الحاجات العاجلة ويحافظ في الآن ذاته وبدرجة أكبر على الأهداف بعيدة المدى والخطط الاستراتيجية. نعم، يجب أن تكون مساحة التغيير والتطوير متاحة باستمرار ولكننا يجب ألا نقبل بحال أن نكون بلا خطط ثابتة واستراتيجيات واضحة، فهذا أشبه ما يكون بأن نصبح كمن يقتدي بأعمى أو يجر خطاه خلف معاق، وهذا ما لا نريد بالتأكيد. [email protected]