نائب أمير مكة يرأس اجتماعاً لبحث تطورات تنفيذ المشاريع المائية في المنطقة    وزير التعليم يُدشِّن أول مدرسة حكومية متخصصة في التقنية للموهوبين    تقييم الحوادث: التحالف لم يستهدف منزلا في صعدة    صحيفة الرأي الالكترونية توقّع شراكة مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    شيبه: مسؤولية التعليم توجيه الأفكار للعقيدة السليمة    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل في المنطقة    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    وزير الموارد البشرية يشارك في تعزيز العمل العربي المشترك خلال اجتماعات التنمية الاجتماعية في البحرين    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    وزير الداخلية يعزز التعاوزن الأمني مع نائب رئيس وزراء قطر    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    لمطالبتها ب 300 مليار دولار.. سورية تعتزم رفع دعوى ضد إيران    تركي آل الشيخ يتصدر قائمة "سبورتس إليستريتد" لأكثر الشخصيات تأثيرًا في الملاكمة    بسبب سرب من الطيور..تحطم طائرة ركاب أذربيجانية يودي بحياة العشرات    ميدان الفروسية بحائل يقيم حفل سباقه الخامس للموسم الحالي    "التخصصي" يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع في مجال التقنية    "سعود الطبية" تعقد ورشة عمل تدريبية عن التدريب الواعي    الشر الممنهج في السجون السورية    عائلة عنايت تحتفل بزفاف نجلها عبدالله    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    الشكر للقيادة للموافقة على تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    أهلا بالعالم في السعودية (3-2)    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائنًا مهددًا بالانقراض    رئيس بلدية خميس مشيط: نقوم بصيانة ومعالجة أي ملاحظات على «جسر النعمان» بشكل فوري    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    انخفاض معدلات الجريمة بالمملكة.. والثقة في الأمن 99.77 %    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    سيكلوجية السماح    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ال ( كاوست ) و(هولوكوست) الصحافة السعودية
نشر في أنباؤكم يوم 07 - 10 - 2009


د. عادل بن أحمد باناعمة - نقلا عن الاسلام اليوم
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
فاتحة ...
لم يكن جلالة الملك المؤسس الموحّد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله صحوياً فاقعاً ، ولم يكن " متوتّراً أمام حالات الحراك وعجلة التحديث، يسير عكس التيار متعلقاً بقشّة المتوارَثِ عادة وتقليداً " [ العمرو، عكاظ، 12/10/1430]، ولا "فقيهاً طالبانيّاً يستمرئ التخريب والتشغيب والترهيب" [ السالمي، الرياض، 12/10/1430]، ولا "معولاً في يد الحركيين يهدمون به المنجزات ويقتلون به فرحَ المشروعات" [ عبدالله آل ثاني، الجزيرة، 12/10/1430].
لم يكن صقرُ الجزيرة – رحمه الله – صاحبَ " نظرة هامشية وتغليبٍ للظن بالإمساك بحجة سد الذرائع"، ولا صاحبَ " نظرة آنية تحكم على المستقبل"[ خال، عكاظ، 11/10/1430] ، ويقيناً لم يكن "من الدعاة الصغار الزاحفين إلى المنابر بعلو أصواتهم وليس بعلو حججهم، الفارغين من العلم وإن ادعوه، والمتعطشين لتحقيق مآربهم في الشهرة ولو على حساب سماحة الدين، ونقاء الشريعة" [ المساعد، عكاظ، 11/10/1430ه].
لم يكن الملك الموحِّدُ " يرفع الصوت وعيداً وتهويلاً" [ الصالحي، عكاظ، 11/10/1430]، ولا كان صاحب تصريحاتٍ " لا تخرج عن إطار الفتنة التي لم يكن هناك أي مبرر لها سوى الفتنة ذاتها" [ الجحدلي، عكاظ، 11/10/1430] . ولا كان "يرهب الناس بكلمة الاختلاط ويضيق عليهم حياتهم بتجاهل ضروريات الحياة وسنة الكون " [ أبو السمح، عكاظ، 11/10/1430]
لم يكن الملك عبدالعزيز شيئاً من ذلك أبداً ..
ومع ذلك فإنَّ سجلاتِ التاريخ تحفظُ لنا قوله في بيان له عام 1356ه : " وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وترقيتهن ... هذه طريقة شائكة تدفع بالأمة إلى هوة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج من دينه، خارج من عقله، خارج من عربيته "اه. [الدرر السنية 14/404،403].
وهذا الموقف من الملك عبدالعزيز رحمه الله تجاه الاختلاط شبيه بموقف الشيخ الدكتور سعد الشثري الذي استحقَّ به عند أولئك الكتبةَ كل تلك الأوصافِ .
فهل سيُلحقُ أولئك الكتبة هذه الأوصاف بالملك عبدالعزيز ؟
أم سيسحبون كلامهم عن الشيخ الشثري ؟
أم سيرضون – وهذا المتوقع – بالتلوّن ، واختلاف المعايير ، والكيل بمكيالين مادام ذلك يحقق مآربهم ؟
أين المؤامرة ؟ ...
من الطريف جداً أن نجدَ طائفةً من المثقفين والكتبةَ يسوطون الإسلاميين ليل نهار بتهمةِ إغراقهم في نظرية المؤامرة !
واليوم .. ولأجلِ تصريح يتيمٍ لشيخ جليل انتقد فيه مايراه تجاوزاً شرعياً لا يجدُ أحد هؤلاء الكتبة حرجاً في أن يقولَ : " إنَّ ما جرى على قناة المجد جزء من حملة منظمة ضد الجامعة، وهناك آخرون ينساقون وراء البقية، علماً أنهم يعرفون أن القضية ليست اختلاطاً وإنما هناك مشروع تنموي متكامل". [ خاشقجي، تصريح للعربية نت، 10/10/1430ه]
وهكذا بجرة قلمٍ تغدو ( حرية الرأي ) و ( التعبير عن الموقف سلمياً ) ( حملةً منظمةً ) و( مؤامرةً مدبّرة ) من أجل إجهاضِ الحلم التنمويّ الكبير !!
ولستُ أدري – إن كان لابد من الحديث عن مؤامرة – أين هي المؤامرة ؟
أهي في تصريح يتيمٍ في قناةٍ واحدةٍ جاء جواباً على سؤال هاتفيٍّ ، أم في 19 مقالاً ، تنشر في يومين فقط ، عبر ستة صحفٍ ، بمشاركة ثلاثة رؤساء تحرير !!
في يوم الثلاثاء 10/10/1430 وفي تمام الساعة 9.47 مساءً نشر موقع (الشبكة الليبرالية السعودية) موضوعا للكاتب سحابة عطر عنوانه: " غلطة سعد الصغير تتصاعد انتظروا صحف الغد خصوصا الرياض "، والمثيرُ في هذا الموضوع – إضافة إلى عنوانه - قول كاتبه: " يبدو أن لدى الصحف توجيهاً بعدم تمرير ماحصل مرور الكرام، ويقول علي العمري في التعليق (16) : " الحملة التي ستقودها الصحف مرضيٌّ عنها من علية القوم" [ حذف الموضوع بعد نشره بسويعات، ولكن صوره ماتزال محفوظة ].
أيُّ مؤامرةٍ إذنْ يمكنُ أن نتحدث عنها ؟
(هولوكوست مكارثي) جديد...
لستُ مهتماً في مقالي هذا بتحرير مسألة ( الاختلاط ) وما إذا كان هذا المصطلح حادثاً أم قديماً ، وما إذا كان ثمت اختلاطٌ حميدٌ تقرّه الشريعة أم لا ؟ فهذه مسألةٌ فقهيّةٌ يتجادلُ فيها الفقهاء ولعلّ فيها مجالاً للنظر.
ولكن الذي حملني حملاً على الكتابة هو هذه الانتهازيّةُ الفجَّةُ التي مارسها أولئك الكتاب في تعاملهم مع كلام الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري .
ولأنَّ هذه الحملة الصحفية بهذه الكثافة والتركيز وبهذه الطريقة هي سابقةٌ فريدةٌ في صحافتنا المحلية، فإنّ من المهم التأمّلَ فيها وفي آلياتِها، وفي وسائلها.
وأوَّلُ مايلفتُ النظر هنا هو (السرعةُ العجيبةُ) في تناول الموضوع، فقد تكلم الشيخ سعد بما تكلَّمَ به مغرب الأحد 8/10/1430ه، وبدأت الحملة يوم الثلاثاء 10/10/1430، ثم اشتدت وطأتها يوم الأربعاء والخميس والجمعة، يومٌ واحدٌ فقط كان يفصل بين تصريح الشيخ وهذا (الهولوكوست الصحفيّ)، و(المكارثية الثقافية)!
على أيِّ شيءٍ يدلُّ هذا ؟ الله أعلم !
وبعد ذلك يمكننا أن نتأمّل في (الوسائل) التي توسّلتْ بها الحملةُ التي كانت تهدفُ فيما يبدو إلى أن يصير الشيخ سعد "إلى مزبلة التاريخ"! وأن يكون "عبرةً لكل متطاول"! على حدّ تعبيرِ ( سحابة عطر ) في شبكة الليبراليين السعوديين، وانظر إن شئت التعليقاتِ الكثيرة في الشبكة المذكورة لترى ألفاظاً من نحو " شاف الضرب في الشثري فاعتبر"!! و"لسه ياصحويين ماشفتو شي"!! مما يشي بأحقاد دفينةٍ حرّكت هذه الحملة.
مراوغة المصطلحات ...
الوسيلةُ الأولى هي تزييف المفاهيم والعبث بالمصطلحات.
فالقارئ لكتابات القوم يجدُهُم ينافحونَ عن (اختلاط) " محبَّبٍ دينياً في الإسلام في العبادات والعادات على حد سواء" [ ابن بجاد، عكاظ، 13/10/1430] ، وقع في " عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المساجد وفي ميادين القتال وفي الأسواق والأماكن العامة العامرة بالنساء والرجال"[ جهيرة المساعد، عكاظ، 13/10/1430] ، وأقرَّه "غالبية علماء الدين في العالم الإسلامي،" [ أبو السمح، عكاظ، 11/10/1430].
بينما الاختلاطُ الذي تُخُوِّفَ منه في الجامعة – ونأمل ألا يكون - هو اختلاطٌ من نوعٍ آخر، لايمكن أن يكون قد حصل في عهد النبوةِ، ولا يمكنُ أن يقرّه فقيهٌ واحدٌ من فقهاء الإسلام، بل ولا يرضى بمثله صاحبُ المشروع نفسه؛ لأنّه قال في يوم بيعتِهِ: (أعاهدُ الله ثم أعاهِدكم أن أتّخذ َالقرآن َدستوراً والإسلامَ منهجاً ). اختلاطٌ وصفه نائب رئيس الجامعة لشؤون العلاقات الخارجية بأنه يشبه " جيوباً من ضواحي المدن الأمريكية" [وكالة رويترز للأنباء جدة من سايمون ويب - 30 / 10 / 2007م]، حيث يسمح للنساء والرجال -إذا أرادوا- بالنزول معاً للسباحة ( بالمايوهات)[ د.مصطفى السيد في مقابلة مع قناة دريم لاند]، وقد نبَّأنا مقطع الفيديو الذي انتشر بنوعيّةِ الاختلاط الذي يمكن أن يكون هناك.
هذه هي المفارقة الأولى إذن ! المخادعةُ – عبر لعبة المصطلح – بتقديمٍ محاولات تأصيليةٍ شرعيةٍ لصورةٍ غير تلك التي يُخشى أن يشهدها الواقع ، لكي يظهر الخصمُ بمظهرِ المتشدِّدِ المتنطِّعِ الأحاديِّ .
ومن هذا الباب أيضاً أنّ القارئ لهم يجدهم يتحدثون عن كون الاختلاط في هذه الجامعة أمراً هامشياً ثانوياً غير مقصود لذاته، ولايمكنُ أن يفضي إلى السماح بالاختلاط في غيرها من الكليات والجامعات [ خاشقجي، الوطن، 10/10/1430ه] ، على حين أنهم يصرّحون – وفي اليوم نفسه - بأنَّه بدايةُ تحوُّلٍ في النسيج الاجتماعيِّ كلِّهِ! ف"المشروع ليس مجرد جامعة ومبنى وطلاب، بل فلسفة تعليمية واجتماعية متكاملة. لأنه عندما تسمح للمرأة بالقيادة داخلها، وبالاختلاط، وتدريسها العلوم الحديثة دون هيمنة، فهذه فلسفة مختلفة وهذه بداية لمجتمع وثقافة سعودية مختلفة".[الحمد، تصريح للعربية نت، 10/10/1430].
فهل ثمتَ مراوغةٌ أكثر من هذه ؟
الوسيلةُ الثانيةُ : تحريفُ الكلمِ عن مواضعِهِ
لقد كان الشيخُ واضحاً جداً في تأييدِهِ لتأسيس هذه الجامعةِ باعتبارها "افتتحت من أجل مصلحة الأمة ، ومن أجل إعادتها إلى ما كانت عليه من ريادة العالم في العلوم قاطبة"، وكان واضحاً في تأكيده أن حديثه عن الاختلاط إنما هو حديث عن " بعض المخالفات الجزئية"، التي لا تمنع "من كانت لديه قدرة على المساهمة في هذه الجامعة أن يحتسب الأجر بالمساهمة فيها"، وزيادةً على ذلك دعا الشيخ للجامعة بالتوفيقِ، وكرر وصفها ووصف أهدافها بالعظمة والنبل أكثر من خمس مراتٍ. [كل ما بين علامات التنصيص من كلام الشيخ سعد].
ومع كل هذا الوضوح فإن قادة ( الهولوكوست الصحفي ) تحدثوا عن موقف الشيخ "المعادي لجامعة الملك عبدالله"، والمثبط والمشكك " لخطط التنمية التي يرفع لواءها ملك الإنجاز عبدالله بن عبدالعزيز" [ ابو السمح، عكاظ، 11/10/1430]، وزعموا أنَّ الشيخَ ومن لفَّ لفَّه قاموا ب "تضخيم قضية الاختلاط وتصوير الأمر على غير حقيقته"، و"حاولوا تضليل العامة من خلال تقديم صورة مشوهة لهذا الصرح العلمي "[ خلف الحربي، عكاظ، 11/10/1430]، وأنَّ كلامهم يشعر ب "أن الدولة بكل أجهزتها لم تقم الجامعة إلا تشجيعاً للاختلاط""[ خال، عكاظ، 11/10/1430]، وأنهم باختصار ينتقصون من هذا الإنجاز ويضعون العصا في دواليبه! [ السليمان، عكاظ، 11/10/1430ه]!!!
فبالله عليكم أين تجدون كل هذا أو حتى بعضه في كلام الشيخ ؟
وكيف تجدون هذا (الكذب) و(التحوير) و(الادّعاء)؟
الوسيلة الثالثة : استعداءُ السلطة .. والملك شخصياً
فقد حاول هؤلاء الكتاب جاهدينَ أن يوقعوا بين الشيخ والملك، ويظهروه بمظهر المحادِّ له الخارجِ عن طاعتِهِ، المزايد عليه في حياطته للدين، وزجّوا بالملك في مواجهةِ الشيخ وكأنّهما خصمانِ، وقرنوا بين حديث الشيخ عن الاختلاط وحوادث التكفير والتفجير والتدمير، واستخدموا في سبيل ذلك كله عباراتٍ ملغمةً من نحو " الدعوات المحمّلة بغبار تورا بورا" "[ خلف الحربي، عكاظ، 11/10/1430]، و"الفتنةُ تبدأ هكذا" [ الجحدلي، عكاظ، 11/10/1430] ، والفقه الطالباني [ السالمي، الرياض، 12/10/1430] ، وتهماً ثقيلةً كالمخالفة ل "فعل رسمي واضح من قبل الدولة" [ الغيثي، الوطن، 13/10/1430]. والتنادي "بالتشكيك في كل خطوة إصلاح تبدأ على هذه الأرض المباركة"! [ الشريف، المدينة، 13/10/1430].
إضافة إلى كثرة الطرق على ( تعيين الملك ) للشيخ سعد وكأن المطلوب منه هو السكوت عما يراه حقاً ثمناً لهذا التعيين !
على حينِ أنَّ الشيخ سعد قد أكثرَ في فتواه التي شنعوا عليها من ذكر مآثر الملك عبدالله، وشكره "على هذه الخطوة المباركة"، وكشف عن محبته " العظيمة لخادم الحرمين الذي له منزلة عظيمة وعالية في القلوب لما قدمه للأمة من خدمات عظيمة جليلة". [ مابين علامات التنصيص من كلام الشيخ ] .
ثم .. هل خرج الشيخ فعلاً على روح نظام الدولة وقراراتها ؟
ألم يأتِ كلامه مطابقاً للمرسوم الملكيّ ذي الرقم 11651 وتاريخ 16/5 / 1403ه والمؤكد عليه بالأمرين الكريمين ذي الرقم 2966 وتاريخ 19/9/1404ه وذي الرقم 759/8 وتاريخ 5/10/1421ه والمتضمن ( أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال ونحوها في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية؛ لأن ذلك محرم شرعا ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة بغير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه).
ألم يأتِ كلامُهُ موافقاً لدعوة الملك عبدالله إلى فتح أبواب الحوار؟ وأن يدلي كل إنسانٍ برأيِهِ في إطار الأدب والاحترام ؟
ألم يأت كلامه موافقاً لكلام خادم الحرمين الشريفين في خطاب البيعةِ حين قال بالنصّ: " ثم أتوجه اليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء"؟
بل ألم يأتِ كلامُهُ موافقاً لمُراداتِ مؤسس الجامعة التي نلتمسُها من خلاله سؤاله في إحدى الزيارات عن (عدد المساجد) في الجامعة، وحديثه في كلمة الافتتاح عن العلماء المسلمين ودورهم، وعن أنَّ "العلم والإيمانَ لايمكنُ أن يكونا خصيمين"؟
وفي المقابل .. ألم يخرجْ هؤلاء الكتبة من قبل على العديد من أنظمة الدولةِ وقرارات الملك ؟
حين أصدر الملك عبدالله توجيهه للصحفيين بعدم نشر صور النساء في الصحفِ هل التزم هؤلاء الصحفيون به أم كانوا ومازالوا يخالفونه وفيهم صحفيون ورؤساء تحرير ؟
وحين يدعو هؤلاء إلى الاختلاطِ في الأسواق ومجالات العمل المختلفة – دعونا من الجامعة الآن - أليسوا بذلك خارجين على قرارين ملكيين سبقَ أن أشرتُ إليهما ؟
وحين يصف أحدهم قرار مجلس الوزراء – الذي كان متوقَّعاً – بتأخير الدراسة بأنّه قرار (لاوطنيّ) يخالف مصلحة الوطن ألا يكون بذلك معارضاً لسياسات الدولة وتوجّهاتها؟
وحين يندّد أحدهم بقرار سموّ النائب الثاني بإغلاق دور السينما ويعتبر ذلك تراجعاً للوراء ألا يكون بذلك لاوطنياً يتقاطع سلباً مع الإرادة السياسية العليا؟
وحين تتناول أقلام هؤلاء الكتبة أنفسهم أجهزة القضاء والصحة والتعليم وغيرها من مؤسسات الدولة بالنقد (الجارح)، والمؤاخذةِ (الشديدة) ألا يكونون بذلك – بناء على قانونهم العجيب هذا – محرضين على الدولة؟ لم لايتوجهون بنصائحهم تلك سراً إلى المسؤولين وإلى وليّ الأمر ماداموا قد آمنوا فجأة بما يسمونه (منهج السلف الصالح) في النصيحة؟ ولم لايستقيلون جميعاً من وظائفهم ومهماتهم الحكومية – ومنها رئاسة تحرير الصحف - قبل أن يسطروا مقالاتهم الناقدة تلك، بناء على القانون الذي فرضوه على الشيخ سعد:" إذا أراد الشيخ الشثري التعبير عن رأيه فعليه الخروج من هيئة كبار العلماء وعندئذ يمكن أن يعبر عن رأيه كما يشاء. أما أن يقبل بمنصب حكومي ثم ينتقد سياسة الدولة فهذا لا يجوز إلا إذا تركها، وإلا يُعتبر تنصلاً من العهود التي قطعها"!! [ خاشقجي، الوطن، 10/10/1430].
وبناءً على القانون (الليبرالي!!) الآخر الذي يقول: إن الشخص إذا كان " موظفاً، ويتقاضى أجراً على وظيفته، لدى جهاز من أجهزة الدولة" فعليه ألا يبوح بكلمةٍ تنتقد تصرفاً من تصرفاتِ الدولة " وإلا كان "تنظيماً أو (حركة) خارج نطاق الدولة"!! [ آل الشيخ، الجزيرة، 10/10/1430]!!
ويالها من قوانين يأباها العقل والنقل.
بيان ...
أشرتُ قبلاً إلى أن هذا المقال يتوجّه بالنقد تحديداً لهذه ( الحملة الهولوكوستية المكارثية ) التي لم تراعِ أخلاقاً ولا مروءةً.
وعسى ألا يفهم أحدٌ أن المقصودَ هو أنَّ هناك من هو ( فوق النقد ) ، وأن مجرّد انتساب الإنسان إلى ( العلم الشرعي ) يعطيه حصانةً من مراجعة آرائه ومفاتشة فتاواه، كلا .. فالعالم الجليل مع تقدير مكانتِهِ واحترام منزلتِهِ حقيقٌ بأن يُراجَع إذا أخطأ، وأن يناقشَ إذا زلَّ، ولكنّ هذه المراجعة شرطها ثلاثة أمور: كفاءةُ المراجِع العلمية ، وتأدبُّهُ ، وموضوعيتُهُ، وذلك مافشلت فيه هذه الحملةُ بامتيازٍ.
وأنتهزُها فرصةً لتوجيه الخطابِ إلى ذوي العلم والفضل والدينِ بأن يكونوا أوسع صدراً للمخالفِ إذا جاء بما يستحقُّ النظر، وألا ينكفئوا على اختياراتِهم الفقهية مصادرين حقَّ الآخرين من أهل العلم، وألا ينجرّوا – في سياق حرصهم على الدين والفضيلة – إلى ممارسةِ إقصائيةٍ تلغي من الوجودِ خياراتٍ فقهيةً وسعها تراثنا واحتفى بها على مرِّ السنين، وإذا افترضنا أن ذلك قد حصل يوماً ما فإنَّ الواجبَ العدول عنه، والصيرورة إلى أفقٍ أرحبَ تحتويه مظلة الإسلام الواسعة.
خاتمة ...
هل ربحَ قادة (الهولوكوست) هذه المعركة ؟! وهل استقالة الشيخ تمثل ( انتصارا ) لهم؟
لا أظن ذلك ...
لقد خسروا مصداقيتهم ، وخسروا مروءتهم ، وتساقطت دعاوى التسامح والحرية والحوار التي ينادون بها . وستغدو حملتهم على الشيخ دليلاً ساطعاً ناصعاً يدمغهم بالإدانة كلما كرروا وأعادوا أسطوانة ( الحريات ) و أكذوبة رفض ( الوصاية ) التي اتهموا بها رجالات الدين طوال السنوات الماضية .
لن يكونَ في وسع أحدٍ منهم بعد اليوم أن يعظنا في ضرورة ( قبول الآخر ) ، ولا أن يذكرنا ب ( التسامح ) كقيمة إسلامية إنسانية عظمى ، ولا أن يصدِّعَ رؤوسنا ب (انغلاقية الإسلامويين)، و(أدلجةِ الصحويين).
لن يجرؤ أحدٌ منهم بعد اليوم – إن كان إنساناً – أن يتحدث عن حرية الكاتب واستقلاليةِ رأيه وتساميه عن الضغوط.
لقد سقطت ورقة التوت .. وانكشفت حقيقة معارك ( الحرية ) ..
وأعان الله (الوطن) على بعض رجالات (الوطن) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.