سئل رجل (يعيش في أحد جهات أوربا ويدعو إلى الإسلام) عن مدى نجاحه في الدعوة هناك فقال: "إن الرجل الأوربي لايعوزه الدليل على معرفة الحق ، إنه سرعان مايؤمن بالحق إيماناً فكرياً صادقاً ولكن الذي يشده إلى الوراء دائماً هو التحلل الذي إستمرأته نفسه وقامت عليه حياته ،فهو لايجد في أفكاره التي يؤمن بها ما ينجده للتخلص من سلطان نفسه" هذا الكلام النفيس ينطبق على حال المسلمين تماماً بل وفي بيئتنا تحديداً ، فلايعوزنا الدليل الشرعي أو الوعي الديني فيما نأخذ وندع ، فعلى سبيل المثال لا أحد منا ينقصه الدليل على حرمة الخمر أو الزنا أو الربا ومع ذلك تجد مقارفي هذه العظائم غير قليل من أبناء المسلمين ، فأين الخلل بناء على هذه المعطيات؟ في رأيي أن الخلل يكمن في التربية ، في تأسيس وتنمية جوانب خلقية في النفوس مثل الخوف من الله والمحاسبة والزهد والحرية بمفهومها الواسع الذي يفتح للنفس آفاق السياحة في ملكوت الله لاكما يضيقها بعض أهل الأهواء. إن إتفقنا على ذلك يمكن لنا أن نقول أن المشكلة لا تتعلق بالقناعة والفكر أو الجهل والعلم بل هي مشكلة ومعضلة أخلاقية بالدرجة الأولى. والغريب أن منا من يشعر بمثل هذه المشكلة ومع ذلك تجدهم يصرون على معالجتها بمزيد من الأبحاث والنظريات التي تدعم الجانب الفكري وكأن المشكلة عقدة جهل مستحكمة وليس مرضاً تعاني منه النفس. ليس بنا اليوم حاجة إلى مزيد من الدراسات والنظريات فنحن بتنا نمتلك من الوعي في هذه النواحي ما ينسج لنا حصانة كافيه فيما لو كانت القضية موكلة إلى الوعي وحده ، ما نحن بحاجة إليه حقاَ هي تلك القوة الدافعة للتنفيذ ولن يكون التنفيذ بيد الفكر أو العقل وحده بل لابد للعقل من قوة هائلة دافعة للتنفيذ وهذه القوة هي قوة الأخلاق. اليقين الفكري والعقلي قد يتواجد بل ويتجلى في بعض الشخصيات ولكن الجحود السلوكي يخنقه بدافع من كبرياء النفس وعلوها أو بدافع شهوة مستحكمة تغلق منافذ الهواء النقي ومنافذ النور على النفس يقول الحق تبارك وتعالى : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" . إذاً فعلينا تجاوز المأزق السلوكي والأخلاقي أولاً والذي يعد من أكبر معضلاته كبرياء النفس وعلوها وذلك ليتمكن اليقين العلمي والفكري من التناغم مع النفس سلوكاً وتطبيقاً وعندها فقط تحل المشكلة حلاً سليماً متكاملاً. وعوداً على الحكاية في مطلع هذا الموضوع ،يتضح لنا أن التحلل وحياة الرذيلة ليس لها في الحقيقة دافع فكري أو نظري بقدر ما هو دافع خلقي فاسد ومرض متأصل في السلوك. مايفيدنا هو أن نشعل كوامن الوجدان ولوعة القلب التي تقلب حياة الإنسان فيجمع أهواء النفس من شتاتها وينسيها طعم الدنيا وأهواءها بما يذيقيها من حلاوة مراقبة المولى عز وجل وشهوده ، وهذا الفتح من الله لا يأت إلا من زيادة العبادات والمثول بين يدي الله وأمام بابه عز وجل في الأسحار وأدبار الصلوات.