خالد الغنامي * الوطن السعودية سأحكي لكم قصة عمرها ثلاثون سنة, قد تبدو لبعضكم مضحكة وقد تبدو لآخرين مشكلة, عندما كنت طفلاً صغيراً, عندما كانت الرؤية غير واضحة, لكن صارخة وصادقة, في منفوحة – الرياض، حيث بيتنا القديم في حارتنا القديمة وكان هناك بيت لرجل يتضح من ملامحه أنه من الحجاز, كان مختلفاً لأن كل البيوت المحيطة به بطول آلاف الأمتار في كل اتجاه لم يكن فيها بيت حجازي واحد. كان كل شيء يتعلق ببيته يبدو غريباً, حتى سيارته الفولفو الواقفة أمام بيته كانت جزءاً من تلك الغرائبيات بالنسبة لنا, نحن جيرانه, إذ لم يكن أحد في حارتنا يركب مثل تلك السيارة. كنا نلهو ونلعب ونعبث ونشاغب ككل الأطفال, كنا نلعب كرة القدم في الحارة ونتعرف على كل أحد ونتشاجر مع كل أحد بلا سبب, لكن كان هناك قدر من الهيبة نشعر به ونحن صغار عندما نمر ببيت ذلك الرجل الحجازي, والذي كان يبدو لنا كأطفال كبيت أشباح مخيف, لا أدري مم كنا خائفين؟ كان يبدو لي كبيت تسكن فيه أسرة من المريخ سافروا طويلاً في المجرات الفضائية قبل أن يستقر بهم الحال في ذلك البيت في حارتنا بالضبط هكذا كنا نشعر أننا أمام "أجنبي" ليس فقط على الصعيد الإقليمي, بل كنا نتصوره على هيئة غير بشرية, هكذا كنا نتخيل. لم يكن له أي علاقة بأي أحد من الجيران, لعله حاول مرة أو مرتين فلم ينجح, وأعتقد أنه لو حاول أخرى لنجح، لكنه لم يفعل, هو اختار الانكفاء . هكذا كان الحال في سبعينات الرياض, ولعلنا نملك الحق أن نقول إن المشهد قد تحسن بعض الشيء في يومنا هذا, لكن ما زالت إلى يومنا هذا العلاقات بين الناس يشوبها كثير من التوجس والحذر والتردد واستدعاء حالة الانكفاء عند أي بادرة سلبية, كأنما نخاف من بعضنا البعض برغم حملنا لنفس الجنسية وانتمائنا لنفس الوطن, ولا أدري مم نحن خائفون, برغم أن العلاقات الإنسانية المرجوة بالنسبة لي لا تكلف شيئاً ولا تبنى على أية مطامع أو مصالح .وأنا هنا إنما أكتب مثل هذا المقال لأنني أرجو حقاً أن نتجاوز حالة الجفول من بعضنا، وأن نرمي وراء ظهورنا هذا المشهد العام غير المبرر. الجيل الجديد من الشباب يبدو لي مختلفاً بشكل كبير عن جيلنا وقد تجاوز كثيراً من تلك التفاصيل, ولهذا التفاؤل بهم أكبر.