يوسف الكويليت * الرياض السعودية تتوافر فرص عديدة لإنجاح حوار الأديان، لأن هناك حاجة عامة لتعايش عالمي يبتعد عن الصراعات والحروب، إذ الجميع شعر بوطأة الإرهاب أياً كان منبعه وأهدافه.. فقد بدأ الدعوة والاجتماع خادمُ الحرمين الشريفين بمبدأ أن الاتجاه إلى الله جلت قدرته، هو رابط أساسي بين الديانات السماوية، وبالتالي فمن غير المنطقي أن نجعل الماضي معادلة ثابتة للعلاقات في وقت تطوَّر الإنسان وأدواته ، وصار القوة في الدفع الحضاري والعلمي ومعهما تنامي الثقافة ونمو المعارف، وهي وسائل تستدعي أن يكون العقل هو الحكم في التسامح وتطابق الأهداف.. فمن حق كل إنسان أن يتجه لدينه ويجعله وسيلة إيمانه، لكن بدون إشاعة الحروب العسكرية والنفسية والثقافية، لأن الاصطدام بمشاعر المؤمنين يؤجج العداوات ، وسيرة التاريخ مليئة بالمآسي التي لا تزال ذيولها قائمة مع أن الإنسان وصل القمر واكتشف أعقد الجينات البشرية، وتوصل إلى معادلة أن الحياة تتسع للتعايش السلمي، والإيمان بالعقائد والأديان.. المؤتمرات والقمم التي انعقدت لهذا الغرض كانت فاتحة إيجابية لتتواصل على مستويات أصحاب الدين الواحد، أو الأديان كلها، وهي حلقة قد تمتد لسنوات طويلة لحل القضايا المعقدة ؛ لأن الموروث من تواريخ الدماء والصراعات الطويلة لا يزال يعطينا العِبر.. لجنة المتابعة المنعقدة في «فيينا» (النمسا) تأتي مكملة لاجتماعات سابقة ، والقيمة هنا أن تخطّي الحاجز النفسي والرعب من الآخر، لا بد أن تبدّدهما المصارحة المفتوحة لأنه من غير العقل أن تشهد البشرية واقعاً سلبياً يتطور إلى حروب أديان وتعقيدات سياسية، هي في الأصل لا تنتمي لحقيقة أي دين وسماحته.. فالإسلام ظل على مبدئه التاريخي في الجنوح للسلم والحوار لأنهما طوق النجاة من الغرق في المحيط الهائج الذي توارثته البشرية ، والمسؤولية كبيرة ولا بد من تقاسمها بمنطق العقل قبل أن تسود الغرائز والتوحش وينقضان ميثاق الأديان السماوية وغيرها، وعندما تتقابل وفود الدول، وتوضع الأهداف فليس من المنطقي الاعتقاد بإزالة كل العقبات وطي الأزمنة، بل لنجعلْ البدايات خلاقة حتى نحل عقدة الماضي، ونتجاوز المتطرفين دينياً وسياسياً، وبمنطق الواجب والمصالح التي تربطنا جميعاً بأكثر من سبب ونتيجة.. ومثلما عانينا جميعاً من دواعي وأسباب الخلافات التي نشأت في ظل ظروف مغايرة للحاضر، فإن البشرية تحتاج إلى مصالحات لأن المجاعات وتخريب البيئة، وبؤس الشعوب التي لا تزال تعوم في حروبها وأميّتها، توجب أن يقف العالم كله في سبيل إصلاح هذا الخلل وسنّ عقد جديد للتعايش، ولعل الشعوب المتقدمة هي من تقع عليه المسؤولية الأكبر، طالما هي من يقود العالم نحو التطور، وأن تتنازل عن بعض أنانيتها إذا ما أرادت أن يسود السلم ، كي نحمي معاً كوكبا هو وحده من توجد فيه الحياة، وبالتالي إذا كنا أصحاب دعوات كريمة وصادقة فإن مثل هذه اللقاءات هي التي تحل عقدة الماضي، وبؤس الحاضر..