كل الشعوب والأمم لها أديانها السماوية أو موروثها الثقافي والتاريخي، بمعنى أن الكل يحمل هوية ما، ويدافع عنها، وتعود جميعها إلى إصلاح سلوك الإنسان وتنظيم حياته، والإسلام لم ينأَ بنفسه عن الحقوق والواجبات في كل ما يتعلق بالشؤون العامة والخاصة للبشر، وهذه عظمته في الدعوة للمساواة وصيانة الحريات والحقوق، ونبذ كل ما يعوق كرامة الإنسانية.. وحين انطلق حوار أتباع الأديان ليشمل الثقافة والدعوة إلى نقض مشروع صراع الحضارات والأديان، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، يخطو بالبشرية نحو آفاق التسامح، والتقابل بدلاً من التناقض، ويؤسس لعمل بدأ يخرج من نطاق الشحناء والعداوات والتقاتل، إلى احترام كل دين، وحل الخلافات بمبدأ الحوار، لأن تجارب التاريخ التي عصفت بالبشرية وألقت بظلالها لأن تقسّم الشعوب والأمم، وتفرض وتحتكر الحقيقة، تعتبر زمناً غير صالح لهذا العصر، الذي تجاوز بإنجازاته كل مراحل التاريخ، وأوجد عوامل مشتركة تفترض تقاسم المسؤوليات على أعلى مستوى وبروح التسامح وطبيعة الإنسان المسالمة والعاقلة، والحاضرة في كل زمن.. مقر الأممالمتحدة شهد عملاً هائلاً يقوده زعيم بدأ بحوار الداخل ثم الوطن العربي، فالباحة الإسلامية الأكبر، واستهدفه تعميماً عالمياً، وعندما تصبح البدايات حلماً يخترق إرث الأجيال والسنين والبدء بخلق نقاشات وحوارات على أعلى المستويات وبحضور غير مسبوق لزعماء، وعلماء، ومتخصصين من كل الأديان وأتباعها، فإنها البداية المهمة لبرنامج سوف يضع العالم على عتبة تصالح ووعي واحترام لكل المقدسات.. وإذا كان المتعصبون في كل حزب وطائفة وملّة هم نتاج ظروف خاصة، فإنه لا يجوز التعميم بأن التطرف يأتي في صلب المعتقدات، وإلا فكيف استطاعت أن تقطع المراحل وتبقى قائمة في ضمير وشعور كل إنسان، وترافقه في حياته قروناً وأجيالاً دون أن تفقد بريقها ودورها، والمملكة حين طالبت بحق العالم الإسلامي بأن لا يوضع على قائمة الإرهاب والتجريم لهذا الدين، فهي تنطلق من مضمون حقيقي، وأن المتعصبين والإرهابيين، هم جزء من أزمة أي مجتمع، وقد لا تتصل أفعال متطرفة بدين أو مقدس، عندما شاهدنا عناصر حزبية علمانية أو لادينية ترفع شعار الإنكار لأفكار غيرها، وتشرّع للموت باسم الأيديولوجيا، وفرضها لا بقوة المنطق، وإنما بالاغتصاب للحق، ومصادرة الآخر.. الملك عبدالله عندما حمل فكرة الحوار، وجعله مشروعاً عالمياً، يدرك المصاعب في تقريب المسافة بين الشعوب ومقدساتها في مفهوم السلام والتعايش، لكنه، وبإيمان راسخ، أدرك أن الفرصة مواتية، وأن من يشاركونه الدعوة واللقاء وترجمتهما إلى عمل يتطور ويتسع مع الأجيال والأزمنة، استطاع، بتلقائيته، وصدقه، حشد ما يزيد على خمسين دولة في أروقة الأممالمتحدة، وقد تخطى العلاقات السياسية وأدوارها المعقدة، إلى مضمون شامل يفترض اللقاء مع كل أطياف المجتمعات وبدون مقدمات أو ثارات أو مفاهيم تتقاطع ولا تتقابل، وهو بهذه الخطوة حمل مسؤولية بلده ودينه، لأن يكونا خير رسالة لكل المخلوقات البشرية..