رواية شارع العطايف للكاتب السعودي عبدالله بن بخيت ، شهادة عيان على حقبة زمنية معتمة من تاريخنا الإجتماعي تمكنت من تقديم رؤية كاشفة لدهاليز المجتمع واهترائته من الداخل . قد لاتجد تميزاً فنياً أوثقافياً وفكرياً كبيراً في الرواية ، إنما هي مجموعة صور ومواقف إسترجعها المؤلف من ذاكرته فيما يبدو ثم صفها في رواية ، ما أراهن عليه أن الرواية تقدم تشخيصاً إجتماعياً مواتياً لأي باحث أن يلتقطه بكل سهولة ويبني عليه فكرة حول مسببات عدد من المعضلات الإجتماعية المعاصرة خصوصاً إذا جزمنا أن المعضلات الإجتماعية مصفوفات ينبني بعضها على بعض أو هي ثقافة مجمتع وفعله يسلمها السابق للاحق ، ويحولها اللاحق إلى منتج مطور أو مختلف جذرياً في كل شيئ عدا الإسم أو الأساس والمنطلق ، لتكون بدورها ظاهرياً معضلة جديدة مع أن لها إمتداد سابق ، خذ على ذلك مثلاً أبرز الممارسات والظواهر الإجتماعية التي قامت عليها القصة أوالقصص الثلاث في الرواية والتي تتمثل في : الزنا ، زنا الأقارب (لا المحارم) ، السرقة ، الخمور تعاطياً ، وترويجاً ،التعصب الرياضي ، الطبقية المقيتة ...إلخ أعود للرواية لأقول: هناك عدة خيوط تربط أبطال القصص الثلاث ، إلا أن أبرز الروابط التي لفتت نظري هي رابطة المعاناة والألم في الصغر ، والذي يخلف عقداً نفسية تتحكم لاحقاًفي مجرى الحياة المستقبلية لشخصيات الرواية ،وهذا في ظني ما يعاني منه أكثر المتأزمين أو المرضى النفسانيين الرسميين كما يقال. تميزت الرواية بعرض مصور غير دقيق الملامح لبعض مظاهر الحياة الإجتماعية في عصر الرواية ومنها قضية التشجيع والأندية الرياضية وما يجري فيها من أحداث كالسحر وخلافه مما بينته الرواية بلا مواربة ، كذلك جلسات الشلل وسفراتهم وطرق ترتيب أمورها إلا أن ألفتها للنظر تلك المراسم التي تسبق الصلاة على الميت خصوصاً إن كان إمراءة. أعتقد أن تصوير عمليات القتل في الرواية بتلك البساطة وعدم كشف الجاني الحقيقي ، غير منطقية ، إذ لانعلم أن هناك جريمة قتل بدون كشف هوية الجاني إلا في النادر وغير المعروف كذلك إذ أننا منذ وعينا على أنفسنا وجرائم القتل مكشوفة طال الزمن أو قصر والغالب أنه في قِصَر من الزمن تكتشف ، كما أن طريقة التنفيذ لاتمت لمجتمعنا بصلة إذ أنها طرق إجرامية نشأت في مجتمعات مختلفة وجلبها لنا العمالة على وجه الخصوص ولم تظهر بهذا الشكل الذي تكلمت عنها الرواية إلا بعد عشرات السنين من زمن الرواية. الرواية على كل لايمكن إجازتها من الناحية الفنية وفق ضوابط الأكاديميين ، ولكن الإبداع لايحده أطر ولاضوابط والرواية أبدعت في نقل ما كنا نتظره من أمثال إبن بخيت المخضرمين. والواقع أسوأ بكثير مما قدمته الرواية في ظني لكننا نكره أنفسنا عندما نقف أمام المرآة ولذلك فنحن نكره المرأة التي تعكسنا على حقيقتنا ولا نجرؤ على الوقف أمامها حتى لا نرى تشوهاتنا كما أننا نحاول قدر المستطاع التفنن في إخفاء معايبنا . المكاشفة أسلم طريق لعلاج أي عيب.