عبدالرحمن الراشد * الشرق الأوسط اللندنية رغم أنهم في المحيط الجغرافي نفسه، ومعظمهم يعتنق الديانة نفسها، ويشتركون في ألف عام من التاريخ، فإن التجربة الإيرانية لها خصوصياتها. وقبل الحديث عن أحداث اليوم، وإيرانيي اليوم، يستحق أن نحاول فهم الظروف الإيرانية. بخلاف العرب الذين يتشكلون من أقوام عديدة، وأكثر من مائتي مليون إنسان موزعين على سطح جغرافي عريض في قارتين، فإن الإيرانيين في بلد واحد وبلغة لا يشاركهم فيها سوى بضع أقليات وراء الحدود. لهذا ليس صعبا أن نفهم لماذا تتطلع إيران على مدى ألفي عام غربا، إلى العالم العربي وما وراءه، من أجل الخروج من قفص الدولة الواحدة. التمدد كان طموح الشاه الذي بنى له ترسانة عسكرية حتى يعترف به شرطيا في المنطقة، له كلمة عليا في قضايا المنطقة العربية. وبعد الثورة الإسلامية تكررت الطموحات بمسمى مختلف، إنما الهدف كان التمدد الخارجي وإعطاء إيران كلمة عليا في شؤون المنطقة. والمواجهة الوحيدة بين الشعبين وقعت مرة واحدة عندما ظن صدام حسين بعد الثورة أن الفرصة سنحت لمد نفوذه، من جهله اعتقد أن الحكام المعممين الجدد لقمة سهلة، لكن جشعه جعله يعاني ثماني سنوات في أكبر حروب المنطقة قتلا وتدميرا. لقد أثبتت تلك الحرب، وقبلها الثورة، أن الفرد الإيراني، ربما أكثر من الفرد العربي، يصبح رقما خطيرا عندما يتحول إلى جماعة. وهذا ما نراه اليوم في شوارع طهران وغيرها من المدن الرئيسية. الأحداث الأخيرة أكدت الفوارق، وأثبتت أهمية الشارع الإيراني الذي لا ننسى أنه كان المحرك الرئيسي في التغيير في أواخر السبعينات ضد الشاه، وقبلها في الخمسينيات أثناء الانتصار الشعبي لمصدق ضد الشاه، الذي نجح لولا التدخل الخارجي. أما الشارع العربي، رغم صخبه، لم يعرف عنه قائدا للتغيير أبدا، حتى الثورات المنسوبة إليه، مثل الثورة العربية في مطلع القرن العشرين، والثورة المصرية في منتصف القرن العشرين، كانت صناعة عليا نسبت إلى الشارع فقط الذي لم يكن له فيها دور على الإطلاق. دور الشارع اليوم في إيران، مماثل لما جرى فيها عام 77 وأدى إلى التغيير الكامل بعد عامين. قد لا تبدل الانتفاضة الحالية شيئا في إيران، وقد تفشل، لكن مهما جاءت النتيجة لاحقا تكون قد ميزت نفسها بأنها حركة شعبية تاريخية، ولم تكن حالة غضب انفعالية كثورة الخبز في مصر في السبعينات. حركة طهران نتيجة جهد متقطع ومتواصل منذ ثورة الطلاب قبل عشر سنوات، استمرت إلى اليوم رغم سعي النظام لمنعها. فرغم عنفه مع المتظاهرين العزل بالقتل والسجن والتخوين لم تتوقف الحركة، ورغم الحصار الأمني، والمنع المعلوماتي، لم تتوقف النشاطات. وما اضطرار النظام إلى منع الرسائل الهاتفية النصية، ثم قطع الهواتف النقالة، إلا إشارة على ضخامة الاحتجاجات وتزايدها أيضا، وما نجاح المتظاهرين في استخدام المساجد، والاحتجاج بالتكبير الديني، إلا دليل على أنها أزمة داخل النظام وليست كما يقال إنها غريبة فكريا، وغربية التحريض. أعتقد أن أزمة النظام اليوم أنه يواجه شارعا مختلفا، لا يكل ولا يمل، يعود مهما حاول منعه، أو قمعه، أو تخويفه. إنها حالة مختلفة لا يمكن أن نفهمها في العالم العربي الذي قلما جرب المواجهات وتغيير الأوضاع من أسفل، فكل التغييرات العربية، جاءت من فوق، انقلابات عسكرية أو من داخل القصور، أو من الخارج.