بعد مرور اثنين وثلاثين عاماً على اندلاع الثورة في إيران، يحكم الناس في هذا البلد على هذا الحدث بطريقة مختلفة، متسائلين أيُّ النظامين هو الأفضل بالنسبة إليهم: هل كان أداء الشاه أفضل أم أداء آيات الله؟ في 16 كانون الثاني (يناير) 1979، رحل الشاه عن إيران. وبعد أسبوعين، عاد آية الله الخميني إلى إيران فاندلعت الثورة. وطالب الشعب في زمن الثورة بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية التعبير. لقد تمّ إطلاق هذه المطالب الاستفزازية خلال معظم الثورات، وكان الشعب الإيراني يحمل بدوره المطالب نفسها. وعلى غرار ما توقعه كثيرون، لم تكن الثورة الأخيرة، والأعظم في القرن، مختلفة عن الثورات الأخرى. ويكمن الاختلاف الوحيد الذي رصده الشعب في انتقال السلطة من نظام ديكتاتوري ملكي إلى ما يشبه ديكتاتورية آية الله الدينية. وشكّلت السنوات العشر الأولى على اندلاع الثورة أكثر الأوقات ظلمةً في هذا البلد، اذ أرَّخت أحكام الإعدام، وقمْع المعارضة والناشطين السياسيين، وإلقاء الجو الاستخباراتي بظلاله على جميع أنحاء إيران، وتحوُّل حرية التعبير مجرّدَ حلم. ويبدو أن عدداً كبيراً من الشبان في إيران، من الذين ولدوا بعد اندلاع الثورة، ويعرفون عن عهد الشاه ما يقرأونه أو يسمعونه، يحنّ إلى تلك الحقبة، فلم يتمّ نسيان الطريقة التي استخدمتها الحكومة لقمع المعارضة قبل صيفين، ولم يكلّف النظام نفسه عناء زجّ حلفائه ومناصريه في السجن أو تعذيبهم، مع العلم أنهم من أطلق الثورة قبل 32 سنة وقد تحوّلوا اليوم إلى منتقدي النظام، فلا مكان للمعارضة في إيران اليوم. وتجلى المثال الأخير على ذلك في الدعوة إلى اعتقال زعماء المعارضة، مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي، اللذين احتجا على نتائج الانتخابات الرئاسية. لكن، يرى الرأي العام أن زعماء المعارضة الذين تسببوا منذ سنة ونصف السنة بتظاهرات ضد النظام، لم يحافظوا على شعبيتهم كما كان متوقعاًً، لأن هؤلاء الزعماء يمثلون النظام الذي ثار ضده الشعب. أما الأمر الذي فاق كل التوقعات، فهو أن العديد من هؤلاء الإيرانيين الغاضبين والمحبَطين في طهران، الذين طالبوا بحقهم في التصويت، لم يشاركوا بالضرورة في الانتخابات أو لم يدلوا بأصواتهم أصلاً. وسألتُ بعض الأشخاص الذين كنت متأكدة من أنهم شاركوا في معظم التظاهرات في طهران، إن كانوا أدلوا بأصواتهم، فأجابوا بأنهم لم يفعلوا. يحتج - برأيي - عدد كبير من هؤلاء المتظاهرين على النظام الديكتاتوري. وشكّلت موضوعات الانتخابات والاحتجاج ضدّ أحمدي نجاد والمرشد الأعلى ودعم مير حسين موسوي أو مهدي كروبي، مجرّدَ ذريعة لإبقاء الشعب في الشارع، وكان الهدف من ذلك هو النظام الذي يرغب الشعب في تغييره وفي إجراء استفتاء لتقويض سلطة المرشد الأعلى فيه. وقد شكلت الصدمة التي تلت الانتخابات فرصة ممتازة للمتظاهرين والأشخاص غير الراضين للنزول إلى الشارع والمطالبة بالتغيير. وكانت التظاهرات موجهة ضد النظام، فيما كان المرشد الأعلى علي خامنئي محقاً حين قال إن «الموضوع لا يتعلق بصناديق الاقتراع. فهم يريدون إسقاط النظام». ويرى القضاء الإيراني أنّ بعض الأشخاص الذين تمّ توقيفهم في التظاهرات كانوا أعضاء تابعين للجمعية الملكية الإيرانية، مع العلم أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص لم يسمع يوماً بهذه الجمعية. ومن غير الواضح مدى فاعلية هذه الجمعيات في إيران أو ما إذا كانت تحظى بمناصرين لها. إلا أنّ ما يبدو واضحاً هو توق الشعب الكبير إلى العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة، أي إلى الزمن الذي كانت فيه إيران قوية في المنطقة ويحظى شعبها برفاهية كبيرة، فيما اقتصادها مزدهر وصورتها مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم. اعتبر آية الله الخميني أن سبب اندلاع الثورة هو غياب العدالة والحرية والتخلي عن المعارضة وممارسة الضغوط على وسائل الإعلام الحرة والجريئة، وعارض آية الله الخميني في حينها «الثورة البيضاء»، وهي تسمية أطلقت على حركة إصلاح قام بها الشاه قبل سنوات من سقوطه، معتبراً أنها غير إسلامية وبأنها خدعة. واليوم، حين نسترجع أحداث الثورة البيضاء التي رفع شعارها الشاه، ونلاحظ عدم وجود إصلاح اجتماعي لمصلحة الشعب الفقير ومن دون الحصول على حصة من الثروة ومن دون التوصّل إلى إعطاء النساء حرية أكبر، نتساءل عن السبب الذي دفع بالبعض إلى اعتبار الثورة البيضاء سيئة. هل اعتبرت كذلك لأن الزعماء الدينيين لم يضطلعوا بدور فيها؟ لقد تصرف الخميني بحنكة، فكان يشجع الشعب على الانضمام إليه في كلّ ما يعارضه، مدركاً أنّ نجاح ثورة الشاه البيضاء ستكون نهاية سلطة الزعماء الدينيين، ومن شأنها تحويل البلد إلى بلد صناعي ونقل إيران من مجتمع محافظ وتقليدي إلى مجتمع حديث وغربي. توجّه إليّ إيراني لم يكشف عن هويته بالقول: «لم يكن الشاه سيئاً»، وأشار طالب جامعي من طهران (21 سنة) كان في زيارة وعائلته في دبي، إلى أنه «كان بوسع الشاه قمع المتظاهرين وقتل عدد كبير من المعارضين بدلاً من الرحيل عن إيران وتسليم البلد إلى الشعب الذي طالب بموته في ذلك اليوم». وتابع: «إذا ما قارنّا بين الأحداث الحالية التي تجري في إيران وبين ما حصل في خريف عام 1979، سنحكم على الشاه بطريقة أفضل. لقد أحب إيران وشعبه، وبرهن من خلال اختيار المنفى بدلاً من إصدار الأوامر للجيش بإطلاق النار على المتظاهرين أو قتل آية الله الخميني، عن حبه لوطنه». ومن ثمّ، بادرني هذا الشاب بابتسامة وأضاف: «فات الأوان. رحم الله الشاه».