واجه باراك أوباما، وهو ابن لأب افريقي وأم بيضاء، خلال حملته الرئاسية، تحديا كبيرا، فرضته العلاقات المتوترة بين الاعراق في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وازداد الأمر صعوبة بسبب تصريحات قس من أصل افريقي، كان يرأس الكنيسة التي واظب أوباما علي ارتيادها، واعتبرها البيض تصريحات عدائية ضدهم.. مما جعل أوباما يحرص علي العمل من أجل انهاء حالة الغضب المتبادلة بين الكثير من ذوي الأصل الافريقي، والذين لا يستشعرون مكانتهم في الولاياتالمتحدة، والأمريكيين البيض الذين يشعرون أيضا بكره الافريقيين لهم دون مبرر. وجاء ترشيح أوباما نفسه للرئاسة الأمريكية ليتخذ من شجاعته السياسية منهجا للتصدي لمثل تلك المخاطر، في واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الولاياتالمتحدة، وسعيا لايجاد صيغة للتفاهم والتعاطف وتقريب وجهات نظر الجانبين، مع الحفاظ علي وضع رؤية لأمريكا قوية وموحدة. ومن هذا المنطلق رأي الرئيس الأمريكي أوباما ان من واجبه الاستفادة من هذا المنهج الناجح لمد جسر بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي. وعندما كان الرئيس أوباما يفكر في الخطاب الذي وجهه إلي المسلمين بعد طول انتظار كان يدرك انه سيخاطب ملايين المسلمين الذين يريدون علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة وسيخاطب أيضا هؤلاء الذين يحملون الكثير من الشكوك تجاه الولاياتالمتحدة. وفي حين كان الملايين ممن سمعوا خطاب الخميس قبل الماضي في القاهرة يقدرون قيمة المشاركة والحوار، فانهم يعتقدون انهم يتعرضون لسوء فهم شديد. ولو كان هؤلاء المستمعون في دول مثل مصر واندونيسيا فقط، لكن التحدي الذي يواجهه أوباما كبير، ويزداد الأمر صعوبة مع حقيقة ان عليه ان يخاطب ايضا الشعب الأمريكي في هذا المجال. وقد أشارت نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز جالوب، الذي اعمل فيه، ان أغلبية كبيرة من الأمريكيين والمسلمين مقتنعة بأهمية وجود علاقات جيدة بين أمريكا والعالم الإسلامي، لكن الاغلبية ايضا من الجانبين لا تؤمن بأن الطرف الآخر يشاطرها الرغبة في تحسين العلاقات، أو يبادلها الاحترام. ولو كان السبب هو غياب التواصل بين الجانبين لبات هينا. لكن المشكلة هي ان كل جانب ينظر إلي سبب المشكلة بطريقة مختلفة. ففي حين يتفق المسلمون والامريكيون علي ان الإرهاب الذي يرتكب باسم الاسلام يمثل عقبة في طريق تحسين العلاقات بين الجانبين فان هناك اتفاقا اقل بين المسلمين علي طبيعة دور أمريكا في هذا الصراع. فقد اظهر استطلاع مركز جالوب ان 08٪ من الامريكيين يعتقدون ان شعوب الدول الإسلامية يحملون وجهة نظر سلبية تجاه أمريكا. وردا علي سؤال عما إذا كان الرأي السلبي للمسلمين تجاه الولاياتالمتحدة ناتجا عن تصرفاتها أو نتيجة تضليل هذه الشعوب من جانب وسائل الإعلام والحكومات وقادة الدول المسلمة اختار 46٪ منهم الاجابة الاخيرة. وبعبارة اخري، فان اقلية ضئيلة بنسبة 91٪ من الأمريكيين هم الذين يعتقدون ان الولاياتالمتحدة تحتاج إلي تغيير سياستها لكي تتحسن العلاقات بين الولاياتالمتحدة والمسلمين. كما ان هذه التصورات تتناقض بشكل حاد مع تصورات المسلمين. وأشار المسح الذي اجراه مركز جالوب إلي ان المسلمين علي امتداد العالم الإسلامي من الدارالبيضاء إلي كوالالمبور يأملون ان يؤدي الوجه الجديد في البيت الابيض الذي وعد »بطريق جديد يقوم علي المصالح المشتركة والاحترام المتبادل« إلي سياسات جديدة وليس مجرد كلام حماسي. ووفقا لتحليل مركز جالوب فان غضب المسلمين تجاه الولاياتالمتحدة يرجع إلي: 1- اعتقادهم عدم احترام الولاياتالمتحدة للاسلام والمسلمين. 2- الغضب من الصراعات الحادة التي تثيرها الولاياتالمتحدة. 3- تصورهم ان الولاياتالمتحدة تسعي للهيمنة السياسية علي أراضي المسلمين. وأري ان النجاح في المهمة الضخمة لإصلاح العلاقات بين الشرق والغرب، توجب علي الرئيس الأمريكي أوباما البدء في حوار نشط، ليس فقط مع المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة، بل تمتد جسوره إلي الرأي العام الأمريكي بنفس القدر، علي غرار النهج الذي اعتمده لكي يجمع كل المكونات العرقية للمجتمع الأمريكي حوله . فالرئيس أوباما يحتاج إلي ان يشرح لكل جانب من الجانبين وجهة نظر الجانب الآخر في الوقت الذي يرسم فيه طريقا جديدا للتواصل بينهما كشركاء.