نجيب الزامل - اليوم .. لا أدري ما الذي جعلني أربط الحكمَ بالإعدام على هشام طلعت رجل الأعمال المصري، مع موت البائسَيْن المرحومَيْن، بإذن الله، الجيولوجيّيْن اللذين ظهر خبر موتهما في هذه الجريدة أمس الجمعة..إنه ربما الموت. الموتُ لما يكون في تهاون وإهمال.. أي بسبب قلةِ الحكمة وضياع التوقي. «هشام طلعت» مات قبل أن يموت. رجل يملك أكبر إمبراطورية عقارية وتشغيلية في كل البلاد المصرية، وينتظره مستقبلٌ أكبر من باهر، لأن حاضره كان باهرا، ثم بفعل أحمق ترتب عنه فعل أشد حمقا. رجلٌ لو تحلى بقليل من الحكمة لعفا نفسَهُ من موتٍ شائن، لا يحطمه فقط هو، وألا لكان عقابا مقبولا بالعدل والمقاس، ولكن سيحطم قلوبَ أهله ومن يحبه، وسيؤثر في الملايين الذين يتعاطون في أعماله.. وسيرسم مأساةً سوداءَ على الذاكرةِ العمليةِ والاجتماعيةِ في مصرَ والعالم العربي. لا ندري لمَ هذا الإصرار من بعض رجال الأعمال (ويكونون من رجال الأعمال الأباطرة المشهورين) بالارتباط بفناناتٍ لا يحملن إلا شهرة أجسادهن أو أصواتهن (في أفضل الحالات!) هل هو غرامٌ في جميلة؟ لا نظن، فالبيوت مليئة والشوارع والميادين بمن هن أجمل وأعف وأسهل وصولا (ونعني الوصول الحلال- أيضا، بأفضل الأحوال!) ويصرّون على فنانةٍ بعينها لا تعني للجمال الحقيقي صلة أكيدة. هل هي طلبٌ للشهرة؟ لو كان رجل أعمال صغير غير معروف لقلنا: «يا لَََهُ من أهبل، لأنها شهرة معكوسة، شهرة تسيء»، ولما تكون من رجل أعمال تطبّق شهرتَه الآفاقَ ( خذ مثلا، شهرة هشام طلعت تفوق شهرة سوزان تميم بمسافةٍ ضوئية) فكيف يكون الدافع هو طلب الشهرة، لا يمكن؟ العقل يغيبُ أحيانا، بلا أي نسق منطقي، ولا قاعدة ثبات، ولا بوصلة توجه، فيتيه في صحراء الضلال، ومصيبة هؤلاء الرجال أنهم أقوياءٌ ومنفوخون لدرجةِ أن أحدا لا يستطيع أن يواجههم بالنصح.. ولما أقدم طلعت على التخطيط على قتل تميم فقد تعدى الغباءَ والتيه العقلي إلى حمقٍ أشد نقوعا، وزيغٍ فائق جعله يتفوق على الشرّ والحمَق معا. وفي مزلقٍٍ عقليٍّ عاطفي، وانسحابٍ تام من الحكمة.. ضاع الرجلُ إلى الأبد. والجيولوجيان اللذان جالا في منطقةٍ طبيعتها الموت، واسمها الربع الخالي، أي الربع الذي لا حياة فيه، ربعٌ في حجم كل غرب أوربا، يذهب اثنان وكأنهما في رحلة نهاية الأسبوع. المياه مأخوذة معهما في حاوياتٍ شخصيةٍ صغيرة تذكرنا بأفلام عبور الصحاري القديمة.. ثم يضيعا ويتيها حتى الموت، وبأمضِّ أنواع الموتِ ألماً وعذاباً: الموتُ عطشاً. هذا لا يمكن أن يحدث في عصرنا حيث الطفل يمكن أن يذهب إلى أقاصي الأرض باستشعار الأقمار الصناعية بالجوال الذي بين يديه.. أنه عصرُ «الثريا» ( وعمرها أكثر من عقدين!) وعصر الحوّامات الطائرة (وعمرها أكثر من نصف قرن من الزمان) وعصرُ التواصل من بعد في قيعان المحيطات، وأعماق الكهوف، ومتاهات الغاباتِ المطرية، والفيافي والقفار.. ثم يموت رجلان فقط لأن الحيطة البدائية لم تُطَوَّر.. إلاّ إن كانا في مهمةِ موتٍ، وهذا لا يجوز حتى أن نفكر فيه.. وراءَ الموتِ عظةٌ، وسمعة، وآثار. في الأولى كان الجاني والضحية ذات الشخص، وفي الثانية كان متعدِّياً. والسببُ دائماً واحد: الاستهانة بأعظم قيمةٍ وهبنا إياها فاطرُ الحياةِ: الحياةُ! [email protected]