نشرت صحيفة الجزيرة السعودية في عددها الصادر يوم الإثنين 16 من مارس الجاري نبأً مهماً على مستوى الإعلام العربي ومثيراً في ذات الوقت لتداخله مع حراك وحساسيات بالغة في أروقة الإعلام وتداعياته على الساحة الوطنية لدول الخليج والبعد العربي والإسلامي عموماً، الخبر كان عن تفاوض جدي ومتتابع بين قناة الجزيرة والفريق الإعلامي التابع لسماحة الشيخ سلمان العودة بانتقال برنامج الحياة كلمة إلى قناة الجزيرة الفضائية، وبحسب سياق الخبر فإن المحاولة قديمة إلاّ أنها تعززت بعد اختيار برنامج الحياة كلمة في قناة الmbc كأفضل برنامج ديني متابعةً في استبيان منظم لمؤسسة أجنبية، وكذلك ارتفاع سقف مشاهديه إلى مدار متجدد يتقدم على مستوى البرامج الإعلامية عموماً. وقبل أن أستطرد أود أن أشير إلى قضية مركزية أُهملت في سياق التعاطي مع خبر التفوق الإعلامي للبرنامج، وهي دلائل هذا الاختيار على تقدم حالة الاهتمام والمتابعة للخطاب الإسلامي وتزايد المهتمين به من الجمهور العربي عطفاً على اهتمامهم بهذه الهوية والانتماء، بغض النظر عن الاختلاف مع أطياف هذا الخطاب، وغمط هذه المسألة المهمة هو أمرٌ مثير للغرابة إلاّ إذا كان مقصوداً للتقليل من حقيقة اهتمام الإنسان العربي بالمرجعية الإسلامية في حياته ودلائل صعودها في ضميره عند كل الطبقات والشرائح. السياسة أولاً ومن المهم أن يكون الحديث هنا صريحاً عن سجل قناة الجزيرة مع المملكة وتصنيفها في هذا الإطار، ودور ذلك في مسألة اتخاذ القرار؛ ولكن التحليل الذي يرصد هذا الواقع حالياً سيدرك جيداً بأن هذا المأزق في العلاقة قد تم تجاوزه في الآونة الأخيرة، وأن علاقة الدولتين ذات التأثير ولو كان غير مباشر في هذا الخطاب الإعلامي قد شهد تحسناً كبيراً بل وتجاوز اختباراً حساساً في الفترة الماضية استطاعت فيها قطر أن لا تستدرج إلى بعض المسارات المتوترة التي سعت لزجها فيها عواصم عربية ومؤسسات إعلامية في استثمار اختلاف المواقف واستمر التواصل السعودي القطري بمستواه الأخير. وبغض النظر عن تأخر افتتاح مكتب الجزيرة في الرياض الذي قيل سابقاً بأنه سيكون قبل منتصف ,2009 إلاّ أن البرنامج سيبقى يبث من الرياض (حيث سيستمر برنامج الشريعة والحياة في نفس مساره لسماحة الإمام الوالد الشيخ القرضاوي)، وهو مؤهل فنياً بطاقم مؤسسة الإسلام اليوم والمؤسسات الرديفة أن تشكل هيئته الإدارية والفنية باستقلال وينظم البث تبعاً لذلك، وعليه فإن خطاب الشيخ لن يتغير من حيث جهة الاستضافة سوى حيوية الجزيرة وعلاقتها الدافئة مع جميع أقطار المحيط العربي واحترامها لثوابت الدين الإسلامي في أصوله الثلاثة وهو ما يعطي إشراقة خاصة لرسالة الحياة كلمة. لا أريد أن أتوسع في تبيان الفارق غير أن القياس الموضوعي وموازنة المصالح التي يعتمدها سماحة الشيخ دائماً تنطبق أيضاً على هذه الحالة أي أنّ تقدير المسألة ليس أيدلوجياً، ولكنه رؤية عقلية تبصر الفرق بين علاقة القناة الأولى بحالة ملتبسة ومتداخلة مع الموقف الأمريكي والإسرائيلي في قضايا شتى فضلاً عن تعمق متطرف في الخطاب الفكري المصادم لأصول التشريع وحشد واسع من برامج الترفيه الخارجة كلياً عن قيم الفضيلة واحترام الكرامة الأخلاقية والأسرة. ومن الواضح هنا أنّ صعود برنامج سماحته وتوسع قاعدة خطابه وتكثيف احترام شخصية البرنامج وأهليته الدينية سوف تتضاعف في قناة الجزيرة إضافةً إلى الشريحة المحافظة الواسعة التي تحرص على خطاب الحياة كلمة لكن سياق البرامج الأخرى وفقدان الحد الأدنى من مراعاة الاحتشام فكراً وسلوكاً يمنعها كثيراً من التوجه إلى هذه القناة، فيما يبدو الأمر مختلفاً مع القنوات الأخرى التي تحترم المشاهد الحريص على القيم الأخلاقية. إنها قراءة واضحة بحسب المعطيات المعلنة والجوانب المحيطة برسالة الإعلام العربي وعلاقته بالثقافة الإسلامية أحسب أن الانتقال سيعطي صدىً واسعاً من النجاح ويغني عن مساحات التباس كبيرة تعتذر ضمناً أو صراحةً للنّاس من تداخل البرنامج مع خطاب معاكس لهوية الأمة وسلوك الخلق الراقي والفضيلة، ويبقى رأي سماحته هو من سيحسم الموقف ونبقى نحترمه أياً كان مساره داعين له دائماً بالتوفيق ومزيداً من النجاح ولو اختلفت تقديراتنا ورؤانا. مهنا الحبيل