مُشكلة العَالَم أنَّه يَكْذِب الكِذْبة ثُم يُصدِّقها.. إنَّه تَماماً مِثل «العَم جُحا» الذي لاحقه الصّبْية فأَحَبَ التَّخلّص مِنْهُم فَقال لهم: (اذهبوا إلى ذلك الحي فإنَّهم يُوزِّعون الحَلوى)، وحينما رَكض الصّبْية إلى ذلكم المَكان، تَخلخل جُحا واهتزَّت أركانه وصدَّق كِذْبته «تحت تأثير روايته»، فَرَكَض هو الآخر ليَنال نَصيبه من تِلك الحَلوى المَكْذُوبَة!! العَالَم اليوم يَعيش مِثل هَذه الكِذْبة؛ لأنَّ أحدهم أطلق كِذْبة «الرّكُود الاقتصادي»، فهرع الجميع يَروي هذه الحِكاية دُون التَمعُّن في مَضمونها!! ولا يَحتاج المَرء إلى ذَكاءٍ شَديد أو بُعدٍ جديد، ليَرى هَشَاشِة هَذه الكِذْبة، وتَأمَّلوا مَعي هذه الحَالات: تَذهب إلى مَكاتب حَجز الخُطوط لِتَحجز لَك مَقعَداً عَلى طَائرة؛ لِتُقلّك إلى مَكان مَا، فيُقَال لَك كُل الخُطوط والفَنادق والمُدن مُمتلئة؛ وليس هُناك مُتّسع لِجَسَدك النَّحيل!! تَذهب لمَراكِز التّسوّق ونِقَاط البيع والسّوبر مَاركات؛ فَتَجِد البَشر كَأنَّهم جَراد مُنتشر، مُقبلين على الشّراء بكُل ما أُوتوا من مَال ونقود!! صَاحِب البِقَالة التي بجوارك، كَانت بقالته 4 × 4 متر، والآن يَرغب بمُضاعفة مِساحتها!! تَذهب لحراج السّيارات ومَكَاتب العَقار، وسُوق الحَمَام والمَوَاشِي، تَجد الأُمم التي تَضرب بالمال طُولاً وعَرضاً.. مع هذا يُقال لنا أنَّ هُناك «ركوداً اقتصادياً»!! أعلم أنَّ الأمر فيه تَبسيط، ولكن من قال إنَّ الأمور البسيطة لا تُؤدي إلى الفهم؟!.. لماذا نُعقِّد الحياة حتى نَظهر وكأنَّنا نَفهم أكثر من غيرنا؟!! لا يَظنّ القَارئ أنَّني سَاذج، لا أُدرك المُتغيّرات والعلاقات الاقتصاديّة التي تُؤثِّر سَلباً وإيجاباً على الكَون، أُدرك ذلك، ومع هذا يُمكن القَول إنَّ الرّكُود كِذْبة تُشبه كِذْبة «مُشكلة الحَاسب الآلي» التي أُطلقت في بِداية العام «2000م»!! يَقول الاقتصادي البريطاني بول أرمارد في كِتَابه «اقتصاد الفراشة»: (إنَّ رفة من جِناح فَراشة في مَكان مَا؛ قَد تُسبِّب وَابلاً من المَطر في مَكان بَعيد عنه كُل البُعد، كَمَا أنَّ تَغييراً في مَسلك نَملة وَاحدة بَاحثة عن الغِذَاء، قد يُحدث اضطراباً في حركة النَّمل بأجمعه...)!! أعلم كُل هَذا وأكثر.. ومع هذا أقول: يا قوم.. «لا تُصدِّقوا أكذوبة الرّكُود الاقتصادي.. فأسواقكم عَامرة بالمُستهلكين، ومُتخمة بالمُشترين والبَائعين»!!.