كان جحا يجلس على عتبة باب بيته والناس يروحون ويجيئون أمامه وقد تملّكه الملل. وقرر بعض التسلية فهتف ببعض المارة أمامه أن يعجّلوا لأن هناك حفلة زفاف ووليمة كبرى عند طرف القرية. وأسرع المارة الى حيث أشار جحا، وسمع آخرون كلامهم فأسرعوا وراءهم، ورأى جحا الناس في الطريق والكل يركض الى حيث أشار، وقال في نفسه إنه ربما كان هناك زفاف ووليمة في آخر القرية وركض وراءهم وقد صدق كذبته. ومن جحا الى اسرائيل، فهي الكذبة الأصلية التي صدقها أصحابها حتى أصبحوا يتحدثون عن بلد من النيل الى الفرات، مع أن اسرائيل القديمة لم توجد حتى في الضفة الغربية، أو اليهودية والسامرة عندهم، ولم تقم أي مملكة يهودية في أي مكان من فلسطين، وإنما كانت هناك قبائل صغيرة، الأرجح أنها من أصول كنعانية، والرومان اضطهدوا الجميع إلا أنهم لم يطردوا اليهود من القدس سنة 70 ميلادية ولم يهدموا هيكل سليمان، فالنبي هذا بصيغته التوراتية اختراع مثل داود قبله، وهما غير الأنبياء الوارد ذكرهم في القرآن الكريم الذي نعرف جميعاً أن الوحي فيه يصحح الرواية اليهودية. هل يعقل أنه بعد 60 سنة من احتلال فلسطين وبعد عقود من البحث قبل ذلك في ظل الانتداب البريطاني لم يعثر اليهود على أي أثر تاريخي، بمعنى آثار، عن تلك الممالك القديمة أو الهيكل المزعوم؟ واليهود حفروا فعلاً تحت الحرم الشريف ووجدوا آثاراً أمويّة، ولم يكفوا عن الكذب. ثمة آثار محدودة ولكنها عن قبائل عابرة، مثلها مئات مرت في المنطقة، ومقابر ولكن لا ممالك. استرسلت وما سبق مقدمة، فبعد الكذبة القديمة اختصر التاريخ الى آخر كذبة، وهي القنبلة النووية الإيرانية. إيران لا تملك هذه القنبلة، ولن تملكها في سنة أو خمس، والمعلومات متوافرة لمن يريد أن يعرف، وهي أن أنابيب الطرد المركزي استطاعت تخصيب اليورانيوم حتى خمسة في المئة، وتشغيل مفاعل مدني، كالموجود قرب طهران لإجراء تجارب طبية، يحتاج الى يورانيوم مخصب حتى 19.75 في المئة، لذلك كان الاتفاق في جنيف ثم فيينا الذي تراجعت عنه إيران ونص على أن تسلم روسيا 75 في المئة من مخزونها من اليورانيوم، أو حوالى 1200 كيلوغرام، وتتولى روسيا التخصيب حتى 19.75 في المئة وتتبعها فرنسا بتحويل اليورانيوم هذا، وهو في حوالى 120 كيلوغراماً، الى صفائح تستعمل في المفاعل المدني. المعلومات تقول أيضاً إن القنبلة النووية تحتاج الى يورانيوم مخصب أكثر من 90 في المئة، وهذا ما يستحيل أن تفعل إيران، حتى لو بنت عشرة مفاعلات جديدة كما وعد محمود أحمدي نجاد، لأن الأساس أنابيب الطرد المركزي، وهذه يجب أن تكون محركاتها بسرعة هائلة للتخصيب الحربي، أو الى مستوى 90 في المئة أو أكثر. يا ناس اسألوا الدكتور محمد البرادعي عن الموضوع، ثم اقرأوا تقارير الجمعيات العلمية والخبراء النوويين، وستجدون أن كل ما عند إيران اليوم هو معرفة انتاج قنبلة نووية لا وسائل انتاجها فعلاً، وهي معرفة متوافرة على الإنترنت لمن يرغب. ثم اقرأ في الصحف الغربية نقلاً عن تقارير استخبارات أن إيران طورت «كبسولة» نيوترون، المستعملة في تفجير القنبلة النووية. تقارير استخبارات مسرّبة يعني إعلاماً أسود، وراءه الموساد حتى لو كان التسريب من لندن أو باريس أو واشنطن. ولو افترضنا أنه صحيح، فإيران تملك «الكبسولة»، إلا أنها لا تملك الرصاصة النووية، أي أن بيت النار فارغ إلا من «كبسولة» مزعومة. عندما لا يكون التسريب مشبوهاً لمصدره وموضوعه، يتبرع أحمدي نجاد بأخبار من عنده، لذلك سمعنا عن تجربة إيرانية لإطلاق صاروخ متطور يصل مداه الى اسرائيل. إذا افترضنا أن هذا صحيحاً، فماذا سيضع أحمدي نجاد في رأس الصاروخ؟ ثلاثة من الباسيج أو عشرة؟ اليهود الذين صدقوا الكذبة الأولى عن اسرائيل التوراتية، صدقوا كذبتهم الأخيرة عن قنبلة إيران، مع أن الموضوع ببساطة هو أن إدارة بوش في آخر سنة لها، وإدارة أوباما في أول سنة تحدثتا عن حل القضية الفلسطينية، فقالت اسرائيل: إيران. لعل في اسرائيل اليوم من يصدق أن إيران في سبيل امتلاك قنبلة نووية إن لم تكن تملكها فعلاً، كما أن بين المستوطنين من يبني في أراضي الفلسطينيين، وقد صدق الكذبة السابقة عن أرض الميعاد، وكما صدق جحا بين هذا وذاك كذبته عن وليمة في آخر القرية. لا أخشى قنبلة إيران لأنها غير موجودة، ولكن أخشى أطماع إيران في الخليج لأنها موجودة، ثم أخشى أن تجر اسرائيل أميركا وأوروبا الى مواجهة عسكرية مع إيران، بعد قرار عقوبات رابع في مجلس الأمن، وندفع نحن الثمن، فنحن ذلك اليتيم الخرافي على مأدبة اللئام، ولا أقول سوى ربّنا يستر. [email protected]