لست هنا ناطقا باسم " حماس " ولا " الجهاد" ، ولست في صف "فتح " ولا منظمة التحرير الفلسطينية ، ولكني اتحدث باسم الدم القاني الخارج من اوداج طفل شاحب الوجه جاءته قذائف طائرة غادرة بتكنلوجيا أمريكية متطورة ، لتضرب بكل ما اوتيت من قوة على رأس عائلة ساكنه وادعة في بيتها ، ليحيل الأسرة إلى أشلاء ممزقة ، ويجعل من هذا الطفل وهذه المرأة المسكينة وقودا لتحقيق مآرب يهود السياسية ، والتنكيل بالفلسطينيين حتى يرتدعوا عن المطالبة بحقوقهم ، فلم تكن قاذفات العدو الصهيوني وطائراته وآلياته الحربية تخطئ أهدافها ، بل هي تنتقيها بشكل دقيق ، وتتفحص ضحيتها قبل الإقدام على ضربها لأنها تدرك أن القتل والسفك هو السبيل الوحيد لتحقيق كسر المقاومة في نفوس الشعب الفلسطيني الأبي الذي سجل للتاريخ أروع صنوف البطولة والفداء ، وقدم للامة أنموذجا يحيل القيم والمثل إلى وقائع نشاهدها في الصباح والمساء . إن المحزن في قضية فلسطين أنها إنموذجا ل ( قهر الرجال ) ، ولا أعني رجال فلسطين الصابرين المحتسبين ، ولكنهم الرجال الذين تتحرك فيهم نخوة الإسلام ودماء العروبة وثاراتها ، يرون إخوانهم يقتلون في الصباح والمساء وهم واجمون جامدون لا يسطيعون فعل شي ، لان قضية فلسطين لم تعد قضية شعب يريد الحياة والحرية ، ولم تعد قضية مقاومة وفداء ، بل أصبحت مسرحا للنفوذ وتحقيق المآرب السياسية ، فبيعت فلسطين بدراهم السياسة البخسة ، فتعالت المطامع السياسية ، وصراع الفرقاء ، ومخططات النفوذ على حساب الدم الفلسطيني المهدر بلا قيمة ولا كرامة . أوّاه يا فلسطين العزة والمجد ما أشد غبينتك فينا نحن المسلمين ، وما أكبر فضيحتنا في العالم حين لا تتحرك الضمائر لنصرة المستضعفين ، ويا لخزي ثرواتنا كيف لم تجعلنا نأخذ حقوقنا بأيدينا ونبني أمتنا لتكون امة عزيرة ، ويا لمذلة الخطب الرنانة ، ومخازن الأسلحة المكدسة ، والبطون النهمة ، والثروات المحشورة في بنوك الغرب كيف لم تنفع كلها مع شرذمة قليلة من الصهاينة الملاعين الذين يجعلون دماءنا لعبة في أيدي آلاتهم ، يتمتعون بمص دمائنا وكرامتنا دون أن نحرك ساكناً إلا من خلال قمم لم تفلح في تقديم ما يرقى لمطالب شعوبها المسلوبة العمل والإرادة . سنة على سنة تراكم فوقها ** تعب الطريق وسوء حال المسلم سنة على سنة وأمتنا على ** جمر الغضا والحزن يأكل من دمي قمم تشيد فوق أرض خضوعنا ** أرأيت قصرا يبتنى في قمقم ( شعرالعشماوي ) إنني أعرف أن بوحي لن يجدي نفعا ، وان كلماتي لن تصل إلا إلى موطئ قدمي ، وان المشكلة أعظم من أن نعبر عنها بمشاعر جياشة ، او خطب رنانة ، او تصريحات جوفاء ، او مؤتمرات مهترئة معلومة النتائج ، ولكنها نفثات مكلوم ، ومشاعر حرى تأبى إلا ان تخرج لتعبر عن صرخاتها المجلجلة في أفق النسيان والصمت الرهيب ، وأن صداها لن يصل إلا إلى مليار كلهم مثلي لا حول لهم ولا طول ، وأننا سوف ننسى تلك الدماء الزكية حين يريد العدو ان ننسى ، وأننا سنظل نترقب معركة جديدة ننوح على جنباتها ، ومشكلة كبيرة تنسينا ما قبلها ، حتى أصبحنا أحسن شعوب العالم نسيانا لمصائبا ، وأكثرهم استثمارا سيئا لها ، وأشجعهم بالكلام وقلة الفعال ، حتى لكأن الواحد يستطيع ان يرسم كل ما يقال وما لا يقال في أي حدث يمر على الأمة ، لاننا استمرأنا المذهلة والمهانة ، وأدمنا على قتلنا حتى تشوقنا إلى من يقتلنا ، فإن لم نجد قاتلا قتل بعضا بعضا ، فأصبحنا ظاهرة صوتية كئيبة تعيسة ، وكأن خالدا ليس منا ، ولا صلاح الدين من ماضينا ، ولا المعتصم من خلفائنا . لك الله يا غزة أمة ممسوخة لا تعي ولا تفيق ، تركل ولا تتحرك ، تقتل ولا تقاوم ، يمسح فيها البلاط فتستنشق رحيق الغبار ورائحة أقدام الأعداء . فلك الله يا غزة . ماتت ضمائرنا فلم يعد يجدينا النواح ولا البكاء ولا الصرخات ، وقل إيماننا فآثرنا السلامة على العزة والإباء ، فهيا نزيد من النواح بلا مجيب .. ومن البكاء بلا طبيب . لك الله يا غزة . اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين ، وكن لهم يا رب العالمين ،فأنت رجاؤهم إذا قل الناصر والمعين ، وأنت وحدك القادر على نصرهم يا رب العالمين .