ورغم أنه كاتب أوبريت الجنادرية قبل عامين، ورغم وصول كلماته إلى كبار الفنانين وأنامل الملحنين، إلا أن الصديق الأخ الشاعر، عبدالله الشريف، سيظل أكثر من هذا (ملكاً) لبيت الشعر الذي تستطيع تحويله مباشرة إلى صورة بصرية مذهلة. هو وحده، يمتلك إحساس تحويل الصورة إلى الكلمات، لا الكلمات إلى صورة مرسومة. كنت معه ما قبل البارحة وهو يسترسل في الليل البهيم الحزين حاديته التراثية، وهو يقول بيته الشعري (واللي معه تفاحة حمرا/ يحن للبرشوم يا نورة). غادرته باكياً وقد لا يعلم صاحبي عشرات الأمثلة من حياتي أو حياة أصدقائي ومعارفي في هذه الحياة من أولئك الذين جمعوا أركان البهجة ولكنهم لم يحصلوا على الحد الأدنى من السعادة. أولئك الذين يقبضون باليمنى (تفاحة) ولكنهم يتوقون إلى بساطة (البرشوم) ودعته وأيامه السعيدة. من أكتب من الأمثلة وماذا أترك؟ سأكتب رجل الأعمال المليارديري الذي قال لي بالحرف الواحد في مقهى باريسي: ليت نصف ثروتي لك يا (علي) مقابل ضحكاتك المجلجلة. قد لا يعلم أنني شخصياً يومها كنت هارباً من (التفاح) لأطارد أيام (البرشوم) ولكن في المكان والصدفة الخطأ. سأكتب لكم قصة صديقي الأسطوري الذي جاهد في كل زاوية من حلال (التفاح) ثم يبحث هذا المساء عن حبة (برشوم) تبعث فيه الأمل أو تصارع الألم. سأكتب لكم، وهذا يكفي حكاية أمي كل صباح مع التفاح والبرشوم: هي تبكي يومياً في شوق لأيام الجوع والخوف واليتم والعراء وكأنها (الخبز الحافي) في رواية محمد شكري، لأن التفاح لم يعطها ذرة أمان من الخوف ومن المجهول. وسأتوقف عن سرد عشرات الأمثلة لأنني على ثقة أن كل فرد منكم له قصته مع (التفاحة الحمرا) ومع الحنين إلى البرشوم. سأقول في المثال الأخير إن أقرب موعد للحجز في مدينتي مع استشاري نفسي قد يمتد لأشهر. نحن نشحذ معه حتى أيام (البرشوم) لكنه يعيدنا إلى التفاح وكأنه يقول: "وداوني بالتي....."