بدأت السبت في القاهرة إعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك بتهمة التورط في قتل متظاهرين والفساد لكن بدون أن تستأثر باهتمام قسم كبير من المصريين المنشغلين بالأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. وكانت المحاكمة الأولى للرئيس السابق التي بدأت في أغسطس 2011 أثارت اهتماما كبيرا في مصر والعالم العربي.
وعاشت مصر لحظة تاريخية عند بدء المحاكمة الأولى إذ كانت المرة الأولى التي يظهر فيها حاكم عربي أطاح به شعبه خلف القضبان أمام منصة القضاء. فالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي حوكم غيابيا، كما أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مثل أمام قاض لكن بعد اجتياح أجنبي للبلاد.
وانطبعت في الأذهان صورة مبارك الذي حضر الجلسات ممدا على سرير طبي خلف القضبان وهو مشهد يتناقض بشكل صارخ مع صورته السابقة كرئيس يستقبل بكل لياقة على الساحة الدولية وكرجل يحكم بقبضة قوية في الداخل.
وستعاد محاكمة مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مسئولى وزارة الداخلية السابق وهم جميعا متهمون بالتورط في قتل والشروع في قتل مئات المتظاهرين السلميين الذين نزلوا إلى الشوارع في القاهرة والاسكندرية والسويس وعدة محافظات اخرى ابان الثورة التي بدأت في 25 يناير 2011 وانتهت بإسقاط الرئيس السابق في 11 فبراير من العام نفسه.
وتعاد محاكمة نجلي مبارك، جمال وعلاء، اللذين كانا رمزا للسلطة والثروة في عهده لاتهامها بالفساد المالي، وهي تهمة موجهة إلى والدهما كذلك. ويحاكم رجل الأعمال حسين سالم غيابيا لفراره إلى إسبانيا.
وتجرى المحاكمة في أكاديمية الشرطة الواقعة في ضاحية التجمع الخامس (شرق القاهرة) والتي كانت تحمل قبل إسقاطه اسم "أكاديمية مبارك".
وكانت محكمة جنايات القاهرة حكمت على مبارك، في المحاكمة الأولى التي قضت محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية) في يناير الماضي بإعادتها، بالسجن المؤبد.
غير أن الأمل الذي أثارته الجلسات الأولى للقضية التي أطلق عليها في مصر "محاكمة القرن" سرعان ما تهاوى.
وقال المدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات حقوقية: إن المحاكمة لم تستند غلى تحقيقات وافية ولم تتمكن من إيجاد أدلة تثبت المتورطين في قتل أكثر من 850 مصريا إبان الثورة.
ومنذ أن ترك السلطة عانى مبارك، الذي سيتم الخامسة والثمانين في مايو من عدة مشكلات صحية وفي إحدى المرات أعلنت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية "وفاته سريريا". ونقل مبارك أخيرا إلى مستشفى عسكري في القاهرة.
وبرغم ذلك، لم يكن اسم مبارك يرد في الصحف المصرية أو في قنوات التليفزيون الرسمية والخاضعة إلا بمناسبة تمديد النيابة حبسه احتياطيا في اتهامات جديدة بالفساد.
وقضت محكمة النقض كذلك بإعادة محاكمة كل المتهمين في القضية مع مبارك. وكانت محكمة الجنايات أصدرت كذلك حكما بالسجن المؤبد على العادلي، ولكنها برأت معاونيه الستة ما أثار غضبا وانطلقت تظاهرات تطالب بإعادة المحاكمة.
ووعد الرئيس الحالي محمد مرسي بمحاكمة مسئولي النظام السابق الذين تورطوا في قتل المتظاهرين. إلا أن مصر تشهد، منذ تولى مرسي الحكم في يونيو الماضي، أزمة سياسية عميقة ومواجهات دامية بين متظاهرين والشرطة وعنفا طائفيا، إضافة إلى أزمة اقتصادية حادة. وبرغم أن مصير مبارك لم يعد يعني الكثيرين، فإن عدم محاكمة أي مسئول على قتل المتظاهرين خلال أيام الثورة ال18 ما زال يثير الغضب والإحباط.