"كان حلماً بعيد المنال، وكان الكثيرون يعتقدون أننا نحرث في البحر، لكن الثورة جعلت الحلم حقيقة، وأصبح أخيراً من حقنا أن نرتدي الحجاب أثناء العمل"، هكذا تحدثت المضيفة الجوية مايسة عبد الهادي ل(الجزيرة نت) تعليقاً على البدء الفعلي في تنفيذ توجيهات وزير الطيران المدني المصري بالسماح للمضيفات بارتداء الحجاب. لم تكن مايسة عبد الهادي بحاجة لأسئلة، حيث استرسلت في التعبير عن مشاعرها بعدما تحقق ما كافحت من أجله مع بعض زميلاتها على مدى سنوات، وقالت إنها بمجرد سماع القرار المنتظر، استعادت فصول رحلة الكفاح من أجل الحجاب الذي كان بمثابة مطلب مستحيل ليس من الوارد تحقيقه. وتقول مايسة إن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 كان لها الفضل الأكبر في تغيير أمور كثيرة في مصر، ما فتح الباب أمام السماح لمذيعات التلفزيون الرسمي بارتداء الحجاب ومن بعدهن جاء الدور على المضيفات الجويات. أما نضال الطويل مع سعادتها بالإنجاز الذي تحقق، لم يفت المضيفة المصرية أن تشير إلى أن هذا حصاد عمل بدأ من أواخر التسعينيات، حيث كانت البداية مع الكابتن نيرين سالم التي طلبت السماح لها بقيادة الطائرات وهي ترتدي الحجاب، لكن السلطات رفضت وقالت إن تغطية أذنيها قد يعطل تواصلها مع برج المراقبة، فعرضت أن تعدل حجابها بحيث لا يغطي الأذن، لكن الرفض كان الإجابة النهائية التي دفعتها مع عراقيل أخرى إلى ترك العمل. وجاءت الموجة الثانية من المحاولات عن طريق المضيفة الجوية أميرة منسي التي بدأت في جمع توقيعات من المضيفات الراغبات في ارتداء الحجاب وكان ذلك في العام 2001، وانتهى الأمر بتدخلات وضغوط قامت بها مباحث أمن الدولة بالأسلوب الذي اعتادته في العهد السابق. ولا تنسى مايسة الموجة الثالثة من المحاولات التي جرت عام 2005 في ظل تولي الفريق أحمد شفيق وزارة الطيران المدني، إذ سخر من هذه المحاولات وقال لأصحابها إنهن حتى لو نجحن في الحصول على حكم قضائي في هذا الشأن فسيضعه على "الرف"، وهو ما أصابهن بحالة من الإحباط استمرت حتى جاءت ثورة 2011 التي أطاحت بمبارك ونظامه. بعد نجاح الثورة عادت المحاولات من جديد، ولا تنسى مايسة تلك الجمعة في أوائل أبريل/نيسان 2011 عندما حملت مايسة لافتة بمطالب المضيفات ونزلت بها إلى ميدان التحرير لتلفت الأنظار إلى هذه القضية وتبدأ مرحلة جديدة من النضال عبر الوقفات الاحتجاجية والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي. مناخ جديد لكن مايسة تلفت النظر إلى أن ذلك جرى في مناخ سيطر عليه القلق والترقب بعدما بدا أن المرحلة الانتقالية التي أدارها المجلس العسكري لا تختلف كثيراً عن نظام مبارك، ولذلك لم يشارك في إقامة دعوى قضائية للمطالبة بحجاب المضيفات، إلا ثلاث منهن، هن مها شاهين، وهبة حسن، إضافة إلى مايسة عبد الهادي. ومع التوجه للقضاء واصلت المضيفات حملة الضغط على مسؤولي الوزارة، قبل أن يتغير الأمر بشكل كامل في الوزارة الحالية التي يرأسها هشام قنديل، حيث استمع الوزير سمير إمبابي للمضيفات في سبتمبر/أيلول الماضي ثم فاجأهن بالتأكيد على أنه لا يمانع في ارتداء المضيفات للحجاب. وبعد ذلك التصريح دخل الأمر طور التنفيذ حيث عكفت لجنة الزي على تحديد مواصفات خاصة لزي المحجبات قبل أن يحسم الأمر الأسبوع الماضي ويبدأ التنفيذ الفعلي بارتداء المضيفات للحجاب، أثناء الرحلات إلى جدة والمدينة قبل أن تستجيب الإدارة سريعاً، وتسمح بالحجاب في كل الرحلات بالرغم من عدم الانتهاء من إعداد الزي الجديد. بينما قالت السيدة ليلى فؤاد نائب المدير العام للضيافة الجوية بمصر للطيران التي أكدت أن الإدارة الحالية للشركة حرصت على تنفيذ رغبة المضيفات خاصة أنهن ناضلن طويلاً من أجل هذا تحقيق هذا المطلب، مؤكدة أن هذا لن يؤثر بالسلب في أدائهن لعملهن. وأقرت ليلى بأن تغير الظروف السياسية في مصر صب في مصلحة هؤلاء المضيفات، مشيرة إلى أن الإدارة قررت تغيير الزي لجميع المضيفات بحيث يشمل ارتداء "كاب أو قلنسوة" فوق الرأس مع منح الحرية لمن تريد ارتداء حجاب تحت هذه القلنسوة.