تعتبر السخرية سمة مميزة لمجموعة من الشباب السعوديين القاطنين في أحد أحياء جدة، فتبادل النكات والمواقف الطريفة لا يفارقهم أبدا، حتى أنهم أخذوا تلك الطرافة إلى مرحلة أخرى. فعمر حسين، البالغ من العمر 25 عاماً، وأحد من فناني ال"ستاند أب كوميدي"، القليلين في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فإنه لم يجد منصة لعرض مهاراته سوى الإنترنت. ويعرض حسين شهرياً نشرات الأخبار السعودية بمحاكاة ساخرة عبر موقع "يوتيوب،" وسرعان ما أصبح برنامجه واحداً من أكثر برامج الإنترنت شعبية في المملكة. ويقول حسين: "عندما نصنع برنامجا ترفيهيا على طريقتنا، فإننا نعرض ثقافتنا، إذ لم نعد نعتمد على برامج الترفيه التي تأتينا من الخارج، والتي لا تلبي احتياجاتنا، ولا تعبر عنا." ويحمل البرنامج اسم "على الطاير"، وهو أكثر من مجرد برنامج كوميدي، إذ يتضمن تعليقات على الأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة. وتعد السخرية من فنون التعبير النادرة في السعودية، بسبب ما تفرضه القوانين المشددة من طابع محافظ على البرامج الترفيهية ووسائل الإعلام. ويأمل حسين في صياغة كوميديا تماثل ما يقدمه الأمريكي جون ستيورات، صاحب أحد أكثر البرامج الإخبارية الساخرة شهرة. ويقول حسين: "أحاول الابتعاد عن توجيه رسائل مباشرة للجمهور، وبدلاً من ذلك أفضل التأمل فيما يحدث في المجتمع بطريقة ساخرة، وترك حرية القبول أو الرفض للمشاهد." ومع إطلاق الموسم الثاني، جذب البرنامج الآلاف من المعجبين، وأصبح حسين وصديقة بدر صالح، يتمتعان بشهرة واسعة، واهتمت بهما وسائل الإعلام أيضاً، ويعلق حسين بالقول: "أجرينا عدة لقاءات صحفية، من بينها لقاء لصحيفة نيويورك تايمز، وجميع الصحف المحلية." وتأمل شركة "يو تيرن"، المنتجة لهذا العمل، في الحفاظ على مستواها الحالي، إذ يقول أنمار فتح الدين، أحد أعضاء الفريق: "اليوم وصل عدد المتابعين للبرنامج نحو 800 ألف مشاهد شهرياً، وأحياناً نتخطى المليون مشاهد.. أول مرة وصل عدد المشاهدين إلى 1000 مشاهد احتفلنا جميعاً بهذا النجاح." ويسخر برنامج "على الطاير" كذلك من الموضوعات المثيرة للجدل في المجتمع السعودي؛ مثل الآداب العامة والأخلاقية في أوقات الصلاة، أو حظر قيادة المرأة للسيارات.. لكن مع الحرص على عدم التعدي أو تخطي المحظورات. ويقول بدر صالح: "في الواقع نحن لا نحاول التمرد أو كسر أي قوانين أو محظورات، وكل ما في الأمر أننا نتحدث، فهناك أشياء يمكن قولها أو التعبير عنها، من دون تخطي الخطوط حمراء. وجميع من تحدثت معهم شبكة CNN، اتفقوا على أن الخطوط الحمراء متمثلة في الدين والشؤون الملكية، لكن ليس من الصعب عبور الحواجز الاجتماعية في هذا البلد المحافظ. وفي مشهد ساخر يدور حول العلاقات الزوجية، يعرض فكر رجل يحاول إخفاء زوجته، لأنه يشعر بالحرج من أن يراها العامة، ويعلق صالح بالقول "أريد فقط فضح بعض القضايا السلبية بطريقة هزلية." وقبل عامين أطلق الصحافي محمد بازيد برنامجه الساخر على الإنترنت بعنوان "التاسعة إلا ربع،" في محاولة لتقديم نهج جديد للأخبار موجهة للشباب السعودي، الذي يمثل تعدادهم ثلثي سكان المملكة، عن طريق التحدث إليهم بلغتهم، وإضفاء نوع من التسلية على الأخبار، لكن مع الحفاظ على المصداقية الصحفية. ويعلق البرنامج على القضايا التي تتم مناقشتها في وسائل الإعلام التقليدية، الخاضعة للرقابة الحكومية الصارمة بطريقة مختلفة، ويرى بازيد أن البرنامج فرصة للسعوديين للسؤال والتفكير فيما يقال لهم. ويضيف قائلا إن "مشكلة الإعلام التقليدي أنه يوجه تفكير الناس إلى ما يريده، لكنني أحاول الابتعاد عن ذلك في هذا النوع الجديد من الإعلام، فمن خلال البرنامج أحاول جذب أنظار المشاهدين إلى عناوين الأخبار، والتفكير فيما يمكن أن تحمله من معاني." ومع ظهور الجيل الجديد من الإعلاميين على الانترنت، الذين يستخدمون أسماءهم الحقيقية، ويعيشون داخل المملكة السعودية مع أسرهم، أصبح الحيطة والحذر أمران ضروريان. ويقول بازيد: "هامش القلق موجود دائماً، ليس بشأن ارتكاب ممارسات خاطئة، بل من فهم ممارستنا بصورة خاطئة،" وهو قلق أكده العاملون في شركة "يو تيرن" للإنتاج، قائلين إن الحذر من الأمور الضرورية.