الحقيقة أنها مأساة بكل ما تعنيه الكلمة ..حكاية توجع القلب وتثير حزنا فى الوجدان بلا حدود , ولا يمكن أن تقف منها على الحياد..هى ليست قصة درامية مأساوية نشاهدها فى مسلسل أو فيلم , ثم نغلق التلفاز ونعود للننام ملء جفوننا , لا نشعر بأنفسنا سوى فى الصباح لنذهب الى أعمالنا وكأن شيئا لم يحدث! زاهر عسيري ..اسم لعنوان عريض من المعاناة والمرض انتهى بالموت , لكن اذا كنا جميعا ندرك أنه لا راد لقضاء الله , فان بالامكان أن ندفع الضر عن أسرته , تلك الأسرة التى يشبعها الفقر، فيما الخوف من القادم يروي ظمأها، وأمراض تهتك عرض بقائها في الحياة ولا شيء يبرق للأمل في أعينها سوى دعوة إلى رب كريم لا يرد دعوة المضطر إذا دعاه. انها حكاية أسرة سعودية تعيش ولا تعيش , تشعر بما لا يشعر به كثيرون منا , تحيا صمتا رهيبا بين أركان منزلها لا تبدده أنات الوجع , فالأب الذى التقت به (عناوين) قبيل وفاته , يعانى من مرض الفشل الكلوي..هذا الأب الكادح المنهك كان يقضى ثلاثة أيام في أروقة غرفة الغسيل الكلوي، وأربعة أيام من الأسبوع يتجه ليغسل همومه في حلقة الخضار باحثاً عن لقمة عيش يكف بها دموع جوع أبناءه. عسيري قال ل (عناوين) قبيل رحيله عن عالمنا :"حرمتني كثرة الأيام التى أذهب فيها لغسيل الكلى من عملي فأودعوني الرصيف وأصبحت أضرب في الأرض باحثاً عن لقمة عيش طعمها الشرف والعفة لتسد جوع أبنائي، وأجلب كسوة تغطي عوراتهم". وأوضح عسيري , وهو على فراش المرض أثناء اجراء عملية غسيل كلى له :"ما تمر به أسرتي من ظروف تجلعني لا أنام الليل بسبب حرصي على توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لهم فانا لم أعد قادرا على تأمين الأدوية لي ولزوجتي ولولدي رغم أنني أقضي الأيام التي ليس عندي فيها جلسات للغسيل الكلوي في سوق الخضار على سيارتي (الونيت) أبحث عن ما أسد به متطلباتهم، وأكفهم عن سؤال الناس كما أن ايجار المنزل ومصاريف علاج ولدي أثقلت كاهلي وكلي أمل في أهل الخير في هذا البلد أن يمدوا يد العون لمساعدتي". هكذا لخص الراحل مأساته ..لكن الحقيقة أن المأساة مستمرة , بها فصول جديدة تثير الحزن والألم ومشاعر الأسى. نجاة , زوجة عسيري , هى عنوان مأساة جديدة لهذه الأسرة السعودية المكلومة , فهذه السيدة ضحت بالسير على الأرض لتكسب صرخة طفل كانت تتمناه رغم تحذيرات الأطباء لها من ذلك. تقول نجاة ل (عناوين): "أصبت بمرض شلل الأطفال منذ الصغر وكنت قادرة على المشي بمساعدة عكازين وبعد الزواج حذرني الأطباء من مغبة الإنجاب على صحتي لكننى أثرت أن أنجب والحمد لله أنجبت 3 أطفال , لكن مقابل تحقيق الحلم كان الشلل وكرسي متحرك، أقضي عليه حوائجي وحوائج أسرتي". لا تزال نجاة تعيش حياتها حبواً ..تجلس إلى جوار طاهية بدائية صغيرة لتجلب رزقها, إلا أن الأمل لا يزال يحدوها باستعادة عافيتها والوقوف مرة أخرى على قدميها بعد أن أكد لها الأطباء أن إجراء عملية جراحية سيمكنها من ممارسة حياتها بالشكل الطبيعي , لكن العائق الوحيد أن تكاليف العملية تفوق طاقات هذه الأسرة التى تعيش حياتها يوما بيوم بعدما أنهكها المرض والفقر ووفاة عائلها الوحيد. هل أنتهت مأساة أسرة زاهر عسيري عند هذا الحد ؟ ... لا ,, لا فهناك المزيد , ولا راد لقضاء الله , ففي ركن قصي من منزل هذه الأسرة يجلس الابن الأكبر البالغ من العمر 13 عاما , وسط حالة من الحزن والأسى من حوله , فهو يعاني من تخلف عقلي بسيط وصعوبة في النطق وعجز في السمع ورغم إلحاقه بمعهد خيري يختص بمثل هذه الحالات إلا أنه أخرج من هذا المعهد بسبب كبر سنه , ما يتطلب إلحاقه بمركز متخصص ليتولى تعليمه وعلاج حالته إلا أن الفقر أيضا وقف عائقا دون تحقيق هذا الأمر.