يقدم الشيخ الدكتور سلمان العودة عبر برنامجه اليومي الشهير (حجر الزاوية) على قناة (إم بي سي) في شهر رمضان هذا العام، فكرة التغيير كفكرة مركزية نحو التطور على مستوى الفرد والمجتمع. والحقيقة أن الدكتور سلمان يمتلك كاريزما طاغية ليست وليدة اليوم.. فمنذ أشرطة الكاسيت (الحماسية) وقت طغيان تيار (الصحوة)، بدءا من منتصف الثمانينيات الميلادية حتى منتصف التسعينيات، خلال نحو عقد من الزمن، قبل أن يحدث التوقف الإجباري؛ وهو يقدم خطابا له حضوره وتأثيره، وتحديدا في أوساط الشباب. ورغم التغيّر الكبير الذي حدث لطبيعة خطاب الشيخ، منذ مطلع الألفية الميلادية، الذي اتسم بقدر كبير من الحكمة (ربما حكمة الشيوخ في العمر!.. نقولها مداعبة)، والانفتاح على مختلف الأفكار، واستيعابها، والحوار معها، بهدوء؛ إلا أن الشيخ يتجنب كثيرا نقد أهم المراحل التي مرت بالمجتمع السعودي، والذي كان شاهدا عليها وفاعلا بها. فالعقد الأول من مرحلة الشيخ الفكرية كانت طافحة إلى جانب (مجايليه) من دعاة (الصحوة) بخطاب لا يُبقي ولا يذر، يفتك (بالخصوم) الفكريين وينهش في لحومهم حتى لو ترتب على ذلك إخفاء الجانب المضيء لهذا الخصم أو ذاك وتحميل مقولاته وأفكاره ما لا تحتمل ولو استدعى الأمر اتهامه في دينه وعرضه!! كنت شابا صغيرا في مطلع التسعينيات حين كانت أشرطة الشيخ سلمان وزملائه من (نجوم) دعاة الصحوة تنهمر علينا في كل مكان نذهب إليه. كانت المادة الطاغية لتلك الأشرطة تتسم بلغة هجومية بلا خطام. تُهم العلمنة، والنفاق، والتكفير، والعمالة للغرب؛ هي (الثيمة) الرئيسة لتلك المرحلة من الخطاب (الصحوي). كانت هناك رموز وطنية مستهدفة من تيار (الصحوة) أكثر من غيرها نظرا لحضورها الثقافي الكبير، استخدمت معهم صنوف التهم وأقذعها، بل وصل الأمر إلى التشكيك في دينهم ووطنيتهم بشكل سافر. فأحد (نجوم) تلك المرحلة قال في أحد أشرطته (الدعوية) في إطار تلك الهجمة المرعبة للخطاب (الصحوي) تجاه المختلفين مع خطابهم: "يعيشون بيننا ويلبسون ملابسنا ويأكلون معنا ويشربون، بل إن بعضهم يصليّ في مساجدنا".. قال تلك الجملة أحد الدعاة الشهيرين في مطلع التسعينيات أيام ضراوة (الصحوة)، وهو يريد بذلك التشكيك في دين أولئك المختلفين مع خطاب (الصحوة)، حتى لو رآهم الناس يصلون ويفعلون ما يفعل الآخرون. فيما دعا زميل (صحوي) آخر حينها إلى أن يقوم ولي الأمر بقطف رؤوس من أسماهم (العلمانيين). ثم هجا الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، بقصيدة موغلة في الذم والتعريض الشخصي. كان خطاب الصحوة في مجمله يفتقر إلى الضمير الأخلاقي، فالمختلف تتم إبادته بمختلف صنوف الاتهامات والافتراءات والقدح في دينه وأخلاقه حتى تشكلت ثقافة طاغية لكثير من شباب (الصحوة)، وكهولها، تجيز النيل من كل ما هو خارج حالة الاستقطاب. لقد نشأت ثقافة سحق الآخر أخلاقيا في مجتمع تمثل الأخلاق أهم قيمه ومبتغاها، وما زلنا نشهدها في تعليقات بعضهم على المقالات التي لا تروق لهم. قبل أيام نشر الشيخ عبد الوهاب الطريري مقالا تأبينيا في الراحل الوطني الكبير الدكتور غازي القصيبي، وصفه بوصف يليق به، من خلال إيراد قصص سمعها من شهود قالوا بطيب ورقي أفعاله، ونبل أخلاقه، فبقيت في محفوظات الشيخ الطريري ثلاثين عاما، حتى غادر القصيبي الحياة الدنيا، (مقال: هم كشفوا سرّك يا غازي!. جريدة الحياة، 21 أغسطس 2010). ذهلت كما ذهل غيري حين قرأت المقال. كان المرحوم القصيبي تنهال عليه تهم من كل حدب وصوب من رموز (الصحوة) في مطلع التسعينيات، ومن لم يشارك في (الحفلة) تلك، بقي كاتما للحقيقة، ومتفرجا على الزيف!! نحن لا نتحدث هنا عن حالة خلاف شخصي يمكن تجاوزها باعتذار في غرفة معزولة بين إنسان وآخر. المسألة تتعلق بخطاب ثقافي اجتماعي شرعن للنيل من المخالف والتجني عليه، ولا يمكن أن ننشد التغيير الذي نطمح إليه جميعا ما لم ننقد ذلك الخطاب بشفافية ووضوح. صحيح أن (الصحوة) هرمت ولم تعد تملك تلك الأنياب التي تغرسها في ظهور الآخرين، بيد أن لكل أزمة ذيولها. أنا هنا معني بالضمير الأخلاقي المشوّه الذي أنتجته (الصحوة)، ولم يتقدم أحد من دعاة (التغيير) بنقده، خاصة من شهوده وصانعيه. على الأقل يتم ذلك من باب التكفير عن الذنب، إن لم يكن بفضل شجاعة نقد الذات ومجابهة نقائصها، تأكيدا على صدقية مشروع التغيير المُتبنى. نقول ذلك لأن هناك من يسترشد بتلك السيرة ويمتطي السلوك ذاته اليوم. ليس هدفي من هذا المقال تكدير صفو الشيخ العودة في مرحلته المبهرة والمتطورة التي ترفع شعار (التغيير)، بيد أن مطمحي هو تحفيز الشيخ ليقوم بتنقية الضمير الأخلاقي الاجتماعي مما علق فيه من دنس حان تطهيره. فهل أنت فاعل يا شيخ سلمان؟! نرجو ذلك. حمود الزيادي العتيبي