في حين تضاربت الأنباء حول قرار السلطات السعودية منع خدمات هاتف البلاك بيري، أكّدت دولة الإمارات العربية المتحدة في إعلان رسمي على موقع "هيئة تنظيم الاتصالات" في الإنترنت؛ تعليق خدمات المسنجر والبريد والتصفح الإلكتروني عبر أجهزة البلاك بيري اعتباراً من 11 أكتوبر 2010. وعلّل الإعلان هذا القرار ب"عدم توافق هذه الخدمات مع تشريعات قطاع الاتصالات بدولة الإمارات". ولم تعلّق شركة RIM الكندية، التي تصنع أجهزة البلاك بيري على قرار المنع حتى الآن. وقد قامت "عناوين" بإرسال مجموعة من الرسائل إلى RIM عبر الإيميل، إلا أن الأخيرة لم تردّ على أي منها. ولكنْ لماذا عُلّقت خدمات البلاك بيري بالذات، دوناً عن بقيّة "الهواتف الذكيّة"، مع أنّ الأخيرة تحتوي كذلك على خدمات المسنجر والإنترنت والإيميل؟ السبب في ذلك أن أجهزة البلاك بيري تحتوي على نظام يتّصل بالإنترنت عن طريق خوادم (سيرفرات) في كندا، البلد المصنّع لأجهزة البلاك بيري، فضلاً عن أنّ المعلومات المرسَلة والمستقبَلة عبر الجهاز تنتقل مشّفرة. فإذا عرفنا أنّ الإنترنت في كلٍّ من السعودية والإمارات تخضع لرقابة وإشراف حكوميّين، اتّضح لنا سبب قلق الحكومتين من أجهزة البلاك بيري؛ فالمعلومات المنقولة بواسطة البلاك بيري تقع خارج سيطرة الجهات الرقابية في البلدين. وقد يكون للقرار الإماراتي صلة بحادثتين مهمتين وقعتا في الخليج السنة الفائتة. فالانتخابات الرئاسية الأخيرة بإيران، التي جرت عام 2009، أظهرت كم أنّ الإنترنت ذات تأثير كبير في الوضع السياسيّ. ففي ذلك الوقت استخدمت المعارضة الإيرانية الإنترنت كوسيلة ضغط على الرئيس أحمدي نجاد؛ وذلك عندما بثّت دعاية مركّزة وقاسية ضده عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". والحادثة الثانية التي أثارت قلق الإمارات، هي اغتيال القائد العسكري في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي العام الماضي. وتبيّن أنّ الموساد الإسرائيلي كان مسؤولاً عن عملية الاغتيال، التي استُخدمت فيها منظومة اتصال مشفّرة بين أفراد المجموعة المنفّذة للاغتيال. وفي بلد مثل السعودية، محاطٌ بعدد من البلدان غير المستقرة أمنياً (العراق واليمن)، ويستضيف سنوياً ملايين الحجّاج والمعتمرين، فضلاً عن أنه البلد الأكبر إنتاجاً للنفط في العالم؛ يُعدّ الأمن فيه ركيزةً أساسيّة لا يُقبل التهاون فيها أو التسامح مع من يحاول العبث بها. وربما لأجل كلّ هذا، تفكر السلطات السعودية بمنع خدمات البلاك بيري في المملكة.
ولكن إلى أي مدى يمكن أن يكون لمنع هواتف البلاك بيري تأثير على المستخدمين السعوديين؟ وما هي أهمية هذا الهاتف بالنسبة لهم؟ وكيف تلقّوا خبر الإعلان عن منعه؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، قامت "عناوين" باستطلاع آراء بعض أصحاب هاتف بلاك بيري. الشاب العشريني فيصل فلاته، يعترف بأنه لم يكن ليحصل على البلاك بيري لولا أنّ أحد أقاربه أهداه إياه. "إذا كُسر هاتفي أو تعرّض للتلف لن أشتري هاتفاً جديداً"، يقول فيصل. ويتابع: "أقضي نصف نهاري في "الدردشة" مع الأصدقاء عبر مسنجر البلاك بيري"، ولا سيما أنّ عدد "الأصدقاء" المضافين لديه في مسنجر البلاك بيري هو 30 صديقاً و20 صديقة. ولا يتردد فيصل بالاعتراف بأنه طُرد من عمله بسبب استخدامه البلاك بيري أثناء وقت الدوام. ولذلك استقبل خبر منع البلاك بيري بكثير من اللامبالاة، وربّما بنوع من الارتياح. أمّا منى. ج.، التي تعمل موظفة استقبال في إحدى عيادات الأسنان بجدة، فعبّرت عن صدمتها من الأنباء التي تتحدّث عن منع البلاك بيري في السعودية؛ معللّةً ذلك بالقول إنّ البلاك بيري أو "البيبي"، بحسب تسميتها، بات يشكّل جزءاً لا يتجزأ من حياتها. فهو وسيلة التسلية الوحيدة المتوفرة لديها، في ظلّ البيئة المحافظة التي تعيش فيها. وتقول منى: "البلاك بيري أداة رائعة تمكنّني من التواصل مع صديقاتي بخصوصية كبيرة، وهو وسيلة فعالة للتخلص من الملل أثناء العمل". ولم يُخفِ البريطاني جستن بانستر، الذي يعمل مدرباً رياضياً لرياضة الملاكمة بجدة، غضبه من قرار منع البلاك بيري في السعودية. فهو يستخدم البلاك بيري بصورة أساسية في إدارة الكثير من أعماله، وفي التواصل مع عائلته في لندن. ورغم إقرار بانستر بأن البلاك بيري يُسخدم بطريقة سيئة في السعودية، مثل الدردشة عديمة الفائدة وإضاعة وقت الشباب والشابات والطلاب؛ إلا أنّه يُعارض قرار المنع من منطلق مبدأ الحرية الشخصية، مشدّداً على أنّ أي شيء قد يكون ذا منفعة أو ضرر؛ فالأمر متوقف على المستخدم.