تحوّل الخليجيون الإعلاميون الرياضيون على خلفية أحداث مباراة مصر والجزائر وما صاحبها من تلاسن إعلامي بالغ الحدة، إلى لعب دور الإطفائي؛ محاولين التخفيف من الآثار النفسية التي خلفتها المعركة الكروية والإعلامية بين البلدين العربيين الإفريقيين، وكان من بينهم كاتب هذا المقال. وها هي الأحداث تكرر نفسها بين ناديين خليجيين، لكن باحتقان أقل، على خلفية اقتحام جماهير الوصل الإماراتي في لقائه في النصف النهائي مع النصر السعودي ملعب المباراة والاعتداء على طبيب النصر وضربه على الهواء مباشرة، لتنتقل المعركة إلى بضاعة فضائية وصحفية؛ كل يدافع عن ناديه بما أوتي من وسيلة. وتقاذفت بعض الجماهير السعودية والإماراتية العنف على مواقع الإنترنت؛ كل يرمي الآخر بما فيه وما ليس فيه، لتعكس صورة واضحة للمهتمين بعلم النفس والاجتماع أن عرب إفريقيا يلتقون مع عرب الخليج في سرعة ردة الفعل العاطفية، تغذيها مكائن إعلامية الكثير منها يعزف على وتر العواطف إما طيبة وإما جهلا وإما محاولة الاستفادة من الحدث لاعتبارات انتشارية وتسويقية، أو يمكن القول وهو الأقرب "فزعة مع ربعهم" بغض النظر عن سلامة الموقف موضوع الاختلاف. واللافت أن قنوات دينية دخلت على الخط وخصصت برامج رياضية على الهواء تناولت هذا الحدث كما فعلت قناتا الدانة والراية اللتان تبنتا الدفاع عن نادي النصر وسلامة اعتراضه على نتيجة المباراة، وأنه يجب سحب النتيجة من الوصل للنصر في ضوء ضخامة الحدث ومعاقبة الوصل وجماهيره، مستشهدين بالصور الفضائية التي ظهر فيها عنف الجماهير في ضرب طبيب النصر؛ وما أحدثته من فزع وخوف في نفوس اللاعبين أسهم في خسارتهم المباراة. والتساؤل القائم: إلى متى والجماهير العربية في أغلبها تنقاد بسهولة خلف التهويل الإعلامي لأي قضية من القضايا دون أن تكون لها قناعاتها الخاصة التي في ضوئها تأخذ الموقف المناسب بدلا من أن نكون أشبه بعقلية قطيع تطير في الهواء مع الطائرين. ما حدث في ملعب الوصل بدبي من اقتحام الجماهير للملعب بين شوطي المباراة الإضافيين والاعتداء على طبيب النصر وضربه, ليفض رجال الأمن الاشتباك بصعوبة تامة بعد مرور قرابة ال 15 دقيقة، يعد حدثا مخجلا في الملاعب الخليجية. وكان يُفترض من حكم المباراة، المهزوز منذ البداية، رفض إتمام المباراة إلا بعد إخراج الجماهير، وإذا تعذر ذلك يعلن إنهاء المباراة وإعداد تقرير بذلك إلى اللجنة المنظمة لتتخذ قرارها حسب اللوائح المنظمة. غير أن الحكم أصر على إكمال المباراة، رغم اعتراض النصراويين، وسط جو مشحون وانتهت بفوز الوصل على النصر بضربات الترجيح، الأمر الذي جعل النصر يسجل اعتراضا للجنة المنظمة على أحداث المباراة التي أثرت في النتيجة في النهاية وقلبتها لمصلحة الوصل بعدما كانت المباراة في طريقها إلى النهاية لمصلحة الفريق السعودي. وكان حريا بالحكم الرابع أو الحكم ومساعديه أن يتنبهوا لما قيل من رواية أن طبيب النصر استفز الجماهير بتصرف مشين، إذا كان فعل ذلك فعلا، لعدم وجود صورة تؤكد الرواية، وفي حالة مثل هذه كان يمكن للحكم طرد الطبيب وامتصاص الغضب الجماهيري وتسير المباراة لنهايتها إلى بر الأمان، غير أن ذلك لم يحدث مما يضعف الرواية الوصلاوية إلا إذا كانت هناك صور تؤكد ذلك. ووسط صخب إعلامي من الطرفين استخدمت فيه كل الوسائل الاتصالية قبيل اجتماع اللجنة المنظمة في البحرين التي توصلت على ما يبدو إلى حل يبعد عنها الإحراج بتحويل الملف إلى (الفيفا) لاتخاذ ما يراه على الرغم من أن مثل هذه الأحداث تحكمها نصوص البطوله الخليجية ولوائحها. وهذا يعني ترك هذا الملف للشد والجذب إلى أن يقول (الفيفا) كلمته، وقد يعيدها (الفيفا) إليهم بالقول "طبقوا لوائحكم الداخلية وبطولتكم هذه غير معترف بها من (الفيفا)". لكن اللافت في الموضوع أن الاجتماع استمر أربع ساعات كاملة وتمخض بعد هذه المدة عن إحالته ل (الفيفا) لاتخاذ مايراه، وهذا يعكس فشلهم في تطبيق بنود اللائحة التي ضمن بنودها، كما ذكر خبراء قانونيون في مداخلات فضائية، معالجة مثل هذه الأحداث. والملاحظ أنهم قذفوا الكرة في ملعب (الفيفا) دون تضمينها بنود لوائحهم التي تعالج مثل هذه الأحداث والطلب من (الفيفا) تأييد ما يتفق والفعل الذي حدث في الملعب، لكنهم تجنبوا إبداء الرأي منعا للحرج بين الطرفين النصراوي والوصلاوي. والأمر اللافت والأكثر غرابة من طول الاجتماع أن ما يتعلق بالشأن الرياضي في أنظمة الأمانه العامة لمجلس التعاون الخليجي هو ما ورد في بعض المواد أن التصويت على القرارات بالإجماع، وهوما يدعو إلى طرح تساؤل بعد مرور خمسة وعشرين عاما على قيام هذه البطولة عن مدى منطقية التصويت بالإجماع إذا كانت هناك أطراف دعوى متناقضة على غرار قضية النصر والوصل. والتساؤل الأكثر إلحاحا: كيف يحدث الإجماع .. هل بحب الخشوم مثلا؟!! رغم أن قانونيين تحدثوا فضائيا مؤكدين أن اللائحة تدعم موقف النصر إما بإعادة المباراة في ملعب محايد وإما اعتبار النصر فائزا بثلاثة صفر، وفق ما تقتضيه جسامة الحدث. يبقى القول، إن تكييف الأنظمة والقوانين المحلية والاقليمية بما يتماشى والقوانين الدولية المعتمدة في (الفيفا)، كونه المرجع الأعلى للرياضة في العالم، هو ما يتطلبه الموقف لحل مثل هذه الإشكالات وتصادمات المصالح بدلا من إضافة لوائح وضوابط داخلية تفتقد التقنين والشمولية، تضع المنظمين في حرج مع إخوانهم وأبناء عمومتهم في الخليج. (محمد السلوم)