في سجالات دارت بين رجال الدعوة والإعلام، وآراء المتخصّصين في علم الاجتماع والشريعة؛ لم ينكر أحد منهم ما تشهده القنوات الفضائية من تنامٍ في برامجها الدينية، التي تعود إلى أسباب متعددة، تتبلور في تحقيق المنافسة الإعلامية، وزيادة المكسب المادي؛ من خلال عرض القضايا الدينية، لكي تضمن تحقق نجاح جماهيري كاسح لمختلف الشرائح والفئات في المجتمع، إلا أن بعضهم ألقى باللوم على تلك القنوات، موجها الاتهام إليها "بإثارة الرأي العام، حيث تتعمد طرح القضايا الخلافية والاختلافات المذهبية، وعادة ما يتم بحث القضايا والأحكام في بث مباشر، حتى يكون هناك خلط بين الأمور الدينية والمظاهر الاجتماعية".. ويعتقد أكاديمي مختص في الإعلام, أن من المشتغلين بالشأن الدعوي والوعظي أناسا يطمحون إلى أن يصلوا إلى الشهرة وتحقيق نسبة أعلى في مشاهدة برامجهم من قبل المشاهدين, وهو ما يوقعهم في صفة الادعاء. وبحسب أستاذ الإعلام غير المتفرغ في جامعة الملك فيصل الدكتور إبراهيم الصفيان، الذي ربط بين ما يحدث من صخب إعلامي للقضايا الدينية، وبعض ما تسعى إليه القنوات بإظهار نجوم الدين، لتحقيق الشهرة والإغراق في المكسب المادي، حيث تكون المنفعة عائدة على الطرفين، مستشهدا: "إذا عدنا بالذاكرة وعملنا قراءة لثروات بعض تلك الأسماء التي نشرتها مجلة فوربس العالمية، نجد أن الداعية ع .خ حقق ثروة تقدر ب 2.5 مليون دولار، وكان في المرتبة الأولى، يليه الداعية ط. س مليون دولار، ثم الداعية ع . ق 533 ألف دولار، وحل في المرتبة الرابعة الداعية ع. ع 373 ألف دولار، وأخيرا الداعية س . ع 267 ألف دولار، هذا على مستوى الشخص، فكيف على مستوى القناة الفضائية ذاتها؟ وكل ذلك يعني تنامي حجم البرامج الدينية، التي يشهد مؤشرها ارتفاعا مستمرا".
واعتبر الصفيان، أن ما يحدث في سوق المنافسة الإعلامية، وتحديدا الإعلام المرئي للدعاة, "بات واضحا، فبعض القنوات الفضائية، غير متخصصة في البرامج الدينية أصبحت تخصص برامج معينة لإظهار نجوم الدعاة, الذين يشغلون الرأي العام، خصوصا في المناسبات الدينية؛ وللولوج إلى أعلى المراتب، واستضافة شخصيات دينية لامعة"... ومغايرا للرأي السابق تماما، يفصح الدكتور أحمد الحمد (مشرف على برامج دينية في إحدى القنوات الفضائية)، ل (عناوين), عن أسباب الاهتمام والتركيز على استضافة النجوم من الدعاة، بأنه ليس لأهداف وأغراض غير ذات قيمة، أو لتحقيق شهرة ومكسب مادي, وإنما "لزيادة الوعي الديني، الذي أصبح يتفوق على حساب برامج هابطة، وهذا الأمر لا يعني خلو المسألة من المنافسة الإعلامية، خاصة أن من يظهرون من الدعاة يتقاضون مبالغ مادية مقابل تقديمهم البرنامج الديني، حيث تخصص بعض القنوات برامج بأسمائهم، وهذا الأمر يختلف عن استضافتهم، فالمسألة يوجد فيها نفع مادي، وهذا ما تحققه أية منشأة إعلامية على صعيد جميع البرامج، ومنها البرامج الرئيسية".
واعتبر الحمد أن "الدعاة يحركون عديدا من القضايا، التي تعدّ شريانا مغذيا للمشاهدين، وذلك للاستفادة من مصدر تمويل البرنامج، الذي يعتمد على الإعلانات واتصالات المشاهدين، مقابل تقديم استفسارات وفتاوى وأحكام شرعية، إضافة إلى الدروس الدينية، التي تهدف إلى التوعية وتقديم ما هو نفع للآخرين". ويؤكد الشيخ محمد النجيمي (عضو مجمع الفقه الإسلامي)، أن ظهور الدعاة على القنوات الفضائية، "أمر طبيعي ولا يعدّ منافسة إعلامية، ولا يمت بصلة إلى أغراض مادية، أو لتحقيق شهرة، وإن كان الهدف تحقيق الشهرة وحب الظهور، فلا مانع من ذلك, لأنه يوجد فيه منفعة للناس؛ فالداعية يظهر بتلك القنوات كما يظهر الآخرون من فئات المجتمع، لتوجيه خطاب ديني، بالصواب وبالحق يعود بالنفع على كافة أفراد المجتمع"، وأما الفائدة المادية، التي تحققها القنوات الفضائية، لتنامي مؤشرات البرامج الدينية، وظهور الدعاة الذين أصبحوا بمثابة "مشاهير"؛ فيشير النجيمي إلى أن "من الطبيعي وجود نفع مادي، لأن القناة تستضيف شيخا وعالم دين قادرا على تزويد الناس بالمنفعة؛ فالظهور لشخص مشهور هو مصداقية للمعلومة، وتوثيق لما يقال، فالمستمعون هم من جميع الفئات والأصناف والمجتمعات".. ويضيف النجيمي: "أن خلط البرامج الدينية بغيرها هو من طبيعة الأشياء، فالدين الإسلامي شامل لكافة نواحي الحياة، فلا نفصل بين الدين والحياة الاجتماعية، ولا نستغل ذلك من أجل أغراض أخرى، فالإجابة والمشاركة وتخصيص برامج للدعاة، تكون بحسب التخصصات وليس الأهواء، مستبعدا د. النجيمي حب الشهرة والترويج عن حسابات الدعاة, ومؤكدا أن المنافسة الإعلامية تكون بين القنوات الفضائية ذاتها، ولا علاقة للدعاة بها".
فيما ترى أستاذة علم الاجتماع، (محاضرة في كليات البنات بالمنطقة الشرقية)، نورة الغامدي، أن "ما يحدث من سجالات في الوسط الاجتماعي السعودي، وظهور عديد من مشاهير الدعاة، أمر ليس عاديا؛ فبعضهم اتخذ من الدين ركيزة أساسية، عبر تخصيص برنامج معين لداعية معروف، علما أن أمر الاستضافة خلال البرنامج يعدّ عاديا، إلا أن المخاوف تبدو من أن يتحوّل البرنامج، الذي يستضيف ويقدم جرعات دينية مقابل مردود مادي عالٍ، إلى مسألة تجارية, وهذا ما يحدث حاليا، عبر الاتصالات والإعلانات وتحقيق الشهرة للضيف، مضيفة: على الرغم من أن العمل الدعوي أحد أهم أركان العمل الإعلامي، لكن باعتدال وانضباط، ودون إثارة خلافات حول الأحكام الشرعية، التي يسعى بعضهم من ورائها إلى تحقيق إثارة لتصبح محلا للنقاش، لأن الخلافات مكانها ليس الفضائيات, وإنما لجان مغلقة لتخرج برؤية واضحة". وتنوّه الغامدي إلى أن "المنافسة الإعلامية، بين القنوات الفضائية عبر تقديم عروض مغرية، وهو أمر يتطلع إليه الجميع، سواء العالم والداعية أو غيرهما.. وتشير الغامدي إلى أن المنافسة الإعلامية باتت تستغل تحليل الأحكام الشرعية، وتوجيه التوعية الدينية، بمقابل مادي، فالخطأ ليس من الدعاة، وإنما من الإعلام المرئي الذي يهدف إلى الوصول إلى أعلى نسبة ربح مادي، وبالمقابل يصبح الداعية نجما فضائيا معروفا، يكتسب ثروة مالية مقابل علمه وفقهه بالأحكام". وتوضح الغامدي: "البرامج الدينية تشهد تناميا حقيقيا، فالداعية أصبح نجما, والإعلام المرئي يستخدمه كمشروع تجاري، ليدرّ دخلا جيدا لتحقيق مردود مادي، فلو لاحظنا أن الدعاة يتنقلون ما بين الفترة والأخرى من قناة إلى أخرى، وهذا مؤشر على صحة ما أقول".