تنشط الفضائيات في رمضان بالبرامج الدينية والدراما وبرامج الترفيه، وتقسم الفضائيات اليوم الرمضاني إلى قسمين في النهار البرامج الدينية وفي الليل الدراما والترفيه في محاولة منها لكسب أكبر عدد من المشاهدين واستقطابهم، ونظرًا لكثرة البرامج الدينية، التي تعرض في نهار رمضان يكون هناك حضور إعلامي كبير للدعاة. “المدينة” فتحت قضية الظهور الإعلامي للدعاة وهل فعلًا البرامج الدينية دخلت جو المنافسة وغيرت في البوصلة الرمضانية؟ وماذا عن أجور الدعاة الخيالية وهل يشترطون مبالغ محددة؟ وغيرها من الأسئلة في محاور هذا التحقيق: حالة تضاد انتقد أ. أنور بن علي العسيري “الكاتب والإعلامي” ما يحدث في الفضائيات في رمضان، واعتبره تضادًا مع المقاصد الشرعية لشهر رمضان وأضاف: “ما يحدث في الفضائيات من تخصيص النهار لبرامج دينية والليل لحالة زائدة من الترف المباح وغير المباح هو تضاد مع المقاصد الشرعية لشهر رمضان وتساوق مع العابثين بقيمة وروحانية هذا الشهر، والمتهم الرئيس هو هذه القنوات الفضائية التي أربكت مشاعر الناس وخدشت صفاء صيامهم، ولذا كان الفصام النكد فالحرب الحقيقية واضحة بين القنوات، التي لا تحترم قيم رمضان والمشاهد الذي يقاوم هذا الاغراء ويثبت في كل مرة أنه ينحاز للبرامج الهادفة”. ثم أثنى العسيري على جهود العلماء والدعاة في الظهور الإعلامي في الفضائيات في رمضان فقال: “جهد الدعاة مشكور في محاولة منهم لإيقاف زحف العبث الفضائي ومحاولة مسخ هوية رمضان القرآن فكان حضورهم سحبًا للبساط وتأكيدًا على هوية المشاهدة الإيمانية الهادفة، وقد حققوا بذلك نجاحًا كبيرًا ونسبة مشاهدة متفوقة، ولكن الأمر ظل لدى مافيا الفضائيات على الرغم من أن حضوره مغيب في جانب الاعلان والتسويق وحتى في مراكز الدراسات المعتمدة، والتي تعبر عن رغبة ملاكها وتفتقد حقيقة للمعايير المهنية التي ترصد حقيقة المشاهدة، وأمام الدعاة ومشوار البرامج الهادفة مسافة طويلة وإمكانات ضخمة لتحقق اهدافها في خدمة المجتمع والنهوض به وخاصة في هذا الشهر”. الأجر المالي كما شدّد العسيري على أن للداعية أن يطلب مالًا مقابل ظهوره الإعلامي في الفضائيات فقال: “من حق الداعية أن يأخذ أجره في منظومة عمل فضائية تقوم على ميزانيات ضخمة، خاصة والدعاة اليوم في أغلبهم متفرغون للعمل الدعوي ولا أجد إشكالية أن يأخذ المؤمن أجره على عمل صالح على أن يكون مقصده الأول دعوته ويأتي المال تبعًا، وفي هذا تحقيق لمعنى الاحترافية وتفريغ للدعاة وهو أمر إيجابي أتمنى أن تدركه الفضائيات الاسلامية ابتداء حتى تعيش منظومة العمل الفضائي وتدرك مفاتيح التأثير والتغيير في المجتمعات عبر أدوات الاعلام المهنية”. نجاح القنوات الدينية ومن جهة أخرى يُشارك أ. محمد أحمد سلام “مدير قناة اقرأ الفضائية” وبيّن أن اقتسام “كيكة” رمضان بين البرامج الدينية والمسلسلات سببه نجاح القنوات الدينية فقال: “هذه الظاهرة انتشرت منذ سنوات على مختلف الفضائيات العربية الحكومية والخاصة، ونعتقد أن السبب الرئيسي في هذه الظاهرة هو نجاح القنوات الدينية في إثبات وجودها وفي جذب عدد كبير جدا من المشاهدين، وتحديدا في هذا الشهر الفضيل وفي فرض برامجها واستحواذها على نسب مشاهدة عالية، مما جعل القنوات الترفيهية الأخرى تحاول تطعيم خريطتها في شهر رمضان ببعض هذه البرامج حتى تحقق التنويع وتجذب أكبر عدد من المشاهدين، إيمانًا منها بأهمية البرامج الدينية كمشاهدة، وخاصة في شهر رمضان المبارك وتحسينا لصورتها والانطباع العام عنها فيما تقدمه من برامج أخرى قد لا تناسب شهر رمضان وطبيعته الدينية، وترك الخيار للمشاهد ليختار ما يحلو له من برامج سواء دينية أو غيرها، وبشكل عام هناك توجهان في هذا الموضوع، الأول يرفض وبشدة ظهور رموز وعلماء الإعلام الإسلامي على هذه الشاشات، والثاني لا يجد حرجا في ظهور علماء ورموز الدعوة على هذه الشاشات؛ مبررا ذلك بأن هذه البرامج قد تجذب شرائح جديدة من المشاهدين لا تتابع القنوات الدينية بالمرة، وبذلك تتحقق الفائدة والأهداف المرجوة من نشر الدعوة في بعض الأوساط التي تحتاج إلى وصول الدعوة إليها، ونحن مع التوجه الثاني لاننا نعتقد بأنه يمكن لمثل هذه البرامج أن تصل لشرائح بعيدة كل البعد عن التوجه الدعوي ولعله ينتفع بها من الناس الكثيرين، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”. وأضاف سلاّم موضحًا سبب حرص الدعاة على الظهور الاعلامي في رمضان فقال: “من المؤكد ان موسم شهر رمضان الكريم من المواسم الإيمانية التي تهفو النفوس إليها وينتظرها الناس بفارغ الصبر للتزود بالطاعات وكسب الحسنات والتقرب إلى الله عز وجل، ولا شك أن أصحاب الفضيلة المشايخ ينتظرون هذا الشهر المبارك لتقديم أفضل ما لديهم من برامج قاموا بتحضيرها لهذا الشهر الفضيل، ومن الطبيعي أن يحرص المشايخ على الظهور في شهر رمضان المبارك لإيمانهم بأن هذا الشهر هو أفضل شهور المشاهدة التلفزيونية للبرامج الدينية والتي ينتظرها معظم المشاهدين”. منافسة بين البرامج ووضح سلام أن القنوات الدينية ليست ربحية وأضاف: “بشكل عام، القنوات الإسلامية أو الدينية قنوات غير ربحية، ونحن في الحقيقة لم نواجه هذه الإشكاليه فمعظم من نتعامل معهم من العلماء والدعاة يحرصون على الظهور على شاشة القناة أكثر من اهتمامهم بالأمور المادية، ونحن لضمان الحقوق نقوم بتوقيع عقود متفق على بنودها بين الطرفين لضمان حقوق الطرفين”. البرامج الدينية نادرة ومن جهة أخرى يُشارك د. مالك الأحمد “الخبير الإعلامي” مؤكدًا أن القنوات الإسلامية تواجه اشكالية المنافسة مع الدارما في القنوات العامة فقال: “الذي يحدث الآن في الفضائيات من بعد صلاة الظهر إلى الإفطار وهو ما يسمونه “الفترة الروحية” وإن كنت أتحفظ على المسمى، فتجد القنوات الجيدة وغير الجيدة والمحافظة وغيرها تحرص في هذه الفترة على أن يكون عرض البرامج الدينية، أما المساء ففي غالب القنوات المحافظة أو المخصصة استمرت على نفس المنوال بعرض البرامج الدينية والوعظية وبعض البرامج الهادفة والمسابقات الخفيفة، أما القنوات العامة التي لديها مسلسلات فتطعم بعض الفترات بالبرامج الدينية الخفيفة، وقد استوقفتني أرقام جديدة صدرت عن دراسة مصرية أن مصر فقط -بخلاف سوريا والأردن والسعودية- أنتجت 95 مسلسلا تكلفة هذه المسلسلات 750 مليونًا، ولأجل هذا لم يكن للمشاهد خيار لأن الأغلبية الضخمة من القنوات لديها هذه المسلسلات، والبرامج الدينية نادرة وتكاد تنعدم، وغالب هذه القنوات لا تنقل صلاة التراويح إنما تبدأ سهرتها الرمضانية بالمسلسلات إلى الفجر، أما القنوات الإسلامية والدينية فلديها إشكالية صعوبة المنافسة في هذا الجانب الدرامي، فأغلب ما لديها برامج دينية، لكن في الحقيقة النفس البشرية كما أنها تحتاج مادة روحية إيمانية فهي تحتاج مادة ترويحية، ولا شك أن بعض القنوات الإسلامية لديها بعض المحاولات الجادة في الدراما الكوميدية أو التراجيدية، لكن يبقى أن هذه المحاولات فردية وقليلة”.