لقد صدر التقرير المنتظر، وحان وقت الحساب ومساءلة الفاسدين ومواجهة الفساد, فمنذ يوم 30 نوفمبر 2009, حين صدر أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - بتشكيل لجنة لتقصّي الحقائق في حادثة سيول جدة، لتحديد الجهات والأفراد المسؤولين عن وقوع الكارثة، التي ذهب ضحيتها المئات من الأشخاص, وطالت آثارها التدميرية الآلاف من الممتلكات الخاصة والعامة؛ والجميع ينتظر صدور تقرير اللجنة على أحر من الجمر. بالأمس تسلم الملك تقرير اللجنة من رئيسها الأمير خالد الفيصل, وجاء في خبر مقتضب بثته وكالة الأنباء السعودية, أن الملك "استمع إلى شرح على خرائط توضيحية عن كمية الأمطار التي هطلت عليها، وما خلفته من وفيات وإصابات بشرية وتلفيات في المساكن والسيارات شرحا للأسباب". وفي جزء آخر من الخبر "وجه حفظه الله خلال استقباله الأمير خالد بمرئياته حيال تلك الفاجعة، بعد أن قدم شكره وتقديره لرئيس اللجنة وأعضائها على ما بذلوه من جهد خلص إلى هذا التقرير, داعيا الله سبحانه وتعالى أن يحمي بلادنا وجميع بلاد المسلمين من الكوارث". خبر وكالة الأنباء المقتضب لم يشر إلى أن تقرير اللجنة حدّد مسؤوليات جهات وأفراد تسبّبوا في الفاجعة! وربما أن اللجنة توصلت إلى ذلك وضمنته التقرير, لكنه أُغفل من الخبر إلى حين! يتذكر الجميع أن الملك حين أصدر أمره الشهير تحدث بلغة المفجوع والمتألم وقال جملته الشهيرة: "للجنة استدعاء أي شخص أو مسؤول كائنا من كان بطلب إفادته، أو مساءلته عند الاقتضاء", ما رفع سقف الآمال والطموحات في أوساط المواطنين في طريق مساءلة صارمة وشفافة لكل الأفراد والجهات المسؤولة, ومن ثبت فساده واعتداؤه على المال العام. وطوال الأشهر الثلاثة الماضية, تابع الجميع أخبارا وتقارير متعددة تتحدث عن القبض والتحقيق مع أفراد عديدين يتبعون جهات عدة, من بينها: كتابات العدل, أمانة جدة, مصلحة المياه والصرف الصحي, وبعض المقاولين و(هوامير) المخططات. وبالتأكيد تكشفت حقائق موجعة ومفزعة حول أسباب البناء في الأودية والشعاب, وعدم وجود بنية تحتية معقولة لثاني أكبر مدينة سعودية. والأكيد أن خلف تلك المسائل أفرادا متنفذين مارسوا الفساد المالي والإداري عبر مؤسسات حكومية وأهلية في أشنع صورة من صور العدوان, عبر تحالف وترابط دوائر متعددة على طريقة المثل الدارج "شدّ لي وأقطع لك"! وقد حان وقت المساءلة الجادة لقطع دابر تلك الأيادي عبر المساءلة القانونية والقضائية العاجلة لإعادة الثقة إلى المواطنين, الذين ينتظرون تحقيق رؤية الملك المصلح في القضاء على بيئة الفساد التي استشرت وبان خطرها. ينتظر المواطنون اليوم أن يفضي هذا التقرير إلى صدور كشف شفاف ومفصل عبر وسائل الإعلام عن أسباب الكارثة وتداعياتها؛ لأن الأمر كان ذا مساس مباشر بأرواحهم وممتلكاتهم. يريدون أن يشاهدوا المتسبّبين يقادون إلى العدالة عبر الأدلة التي توصلت إليها لجنة التقصي, والممثلة من جميع الجهات الرقابية والتحقيقية. إنها ساعة الحقيقة.. والأمل كبير في أن تدشن عهدا جديدا من المحاسبة الشفافة لتكون فاصلا بين زمنين؛ زمن ما قبل 30 نوفمبر 2009, وما بعده.. وإننا لمن المنتظرين. (حمود الزيادي) [email protected]