قبل عامين ونصف العام تقريباً، عندما انخفضت أسعار النفط إلى نحو الثمانية وعشرين دولاراً، قُرعت أجراس الإنذار حول العالم، وتداعى الجميع إلى إنقاذ الأسواق من الانهيار المقبل؛ فهو ليس من صالح الدول المنتجة ولا الدول المستهلكة، ثم شيئاً فشيئاً تعافت أسواق النفط حتى بلغت اليوم نحو 75 دولاراً، واليوم ومع هذا الارتفاع تُقرَع أجراس الإنذار من جديد، ويتداعى العالم مرة أخرى، وهي معادلة بالفعل غريبة بعض الشيء؛ فالنفط سلعة تختلف عن أي سلعة في العالم، فارتفاعه الكبير يتسبب في أزمة اقتصادية عالمية كبرى تضر بالدول المنتجة، حتى ولو كانت هي البائع، كما أن انخفاضه الكبير سيتسبب في عزوف المصدِّرين عن الاستثمار في النفط، وبالتالي شحّ الأسواق، وارتفاع الأسعار فيما بعد إلى درجة لا يمكن لأحد أن يتصور عواقبها، لذلك يتفق العالم دائماً على أن يكون هناك سعر عادل للنفط يوازن بين مصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء، لا المشتري يبحث عن الانخفاض الكبير في الأسعار، فهو مضرّ له، ولا البائع يبحث عن الارتفاع الكبير فهو مضرّ له أيضاً. وكعادتها عندما أسهمت السعودية في قيادة اتفاق نفطي غير مسبوق بين الدول المنتجة من داخل «أوبك» والمنتجة من خارجها، لخفض الإنتاج 1.8 مليون برميل يومياً، ساعد ذلك الإجراء في إعادة التوازن إلى السوق في ال18 شهراً الأخيرة، ورفع النفط إلى نحو 75 دولاراً للبرميل من 27 دولاراً في 2016، وها هي الرياض تعود مجدداً للإعلان عن استعدادها لتعويض أي نقص في الإمدادات، لقدرتها الفائقة على سد الفجوة، سواء لدى دول مثل فنزويلا تعيش مشكلات داخلية لا تسمح لها بضخِّ حصتها الرسمية، أو إيران التي تواجه عقوبات اقتصادية ستُحدِث نقصاً في تصدير النفط الإيراني بما يعادل 900 ألف برميل نفط يومياً، أو حتى تعطيلات غير متوقعة في ليبيا وأنغولا، وصلت جميعها عملياً إلى تخفيض المعروض لنحو 2.8 مليون برميل يومياً في الأشهر الأخيرة (في الأسابيع الثلاثة الماضية انخفض إنتاج النفط بنصف مليون برميل من ليبيا، و325 ألفاً من كندا، و300 ألف برميل نفط من فنزويلا يومياً)، وهنا لا تستطيع دولة أخرى أن تنقذ الأسواق عبر سدِّ تلك الفجوة سوى السعودية، التي بدورها تستهدف توازن سوق النفط، وليس سعراً محدداً للذهب الأسود، فهي الوحيدة القادرة على إنتاج 12 مليون برميل يومياً، حتى مع قيام روسيا ودول خليجية أخرى بزيادة إنتاجها النفطي لتعويض النقص في الإنتاج، كما أن السعودية هي الوحيدة التي تستطيع تهدئة المخاوف، خصوصاً لدى الدول الناشئة، من أن يصل برميل النفط إلى أسعار متضخمة لا يستطيع العالم تحمل تبعاتها. أثبتت السعودية دائماً، كدولة قائدة للسوق النفطية، قدرتها ومهارتها في استخدام مخزوناتها بحكمة متى كان ذلك ضرورياً لتحقيق التوازن بسوق النفط، ففي أعقاب الغزو العراقي للكويت في أغسطس (آب) 1990 اختفى فجأة نحو 5 ملايين برميل من نفط العراق والكويت من السوق، وارتفعت الأسعار في الأيام الأولى للغزو إلى نحو 26 ثم إلى 28 دولاراً للبرميل، ثم واصل ارتفاعه ليصل إلى 46 دولاراً في أكتوبر (تشرين الأول)، وهو سعر كان يُعتَبَر كارثة على الاقتصاد العالمي، إلا أن السعودية لعبت أكبر وأهم دور في إعادة الاستقرار إلى السوق النفطية حينها، وأجبرت الدول في «أوبك»، التي كانت تريد الإبقاء على الأسعار، على الانصياع لصوت العقل، وضخّ كميات من النفط لتعويض الإنتاج، بل وعوضت نحو 60 في المائة من الإنتاج المتوقف. بالتأكيد لا يستطيع أحد التحكم في الأسعار صعوداً أو هبوطاً، فربما نرى المائة دولار مقبلة في الأشهر القليلة المقبلة، كما رأينا السبعة وعشرين دولاراً في مطلع 2016، لكن بالتأكيد هناك مَن يستطيع التحكم في توازن الأسواق واستقرارها، ولا جدال أن المملكة أكثر دولة يُوثَق في استراتيجيتها من أجل فرض نوع من التوازن بين ميزان العرض والطلب، وبالتالي عدم دخول العالم في أزمات اقتصادية من بوابة النفط. سلمان الدوسري (الشرق الأوسط) الوسوم استقرار السعودي العالم النفط