لم يكن عمر المضواحي، يرحمه الله، صحافيا عاديا، بل كان حارس مهنة لا يقبل بأنصاف الحلول، ولذلك كان يقول كلمته ويمضي، مؤمنا بأن رزقه على الله. كان البارع الأكبر في الصحافة الاستقصائية، حين عمل بمؤسسات عديدة من بينها مجلة «المجلة» وجريدتا «الوطن» و«مكة». مزج التاريخ بالصحافة في أعماله وكتاباته التي تتبع من خلالها الآثار النبوية، في المدينةومكة، فهو مؤرخ مكة وكاتب سيرة أماكنها وتفاصيلها. وُهب الملَكة الأدبية والشغف التاريخي مع الإخلاص لمهنة الصحافي والمدوّن في آنٍ معاً مما جعل أي «بورتريه» يكتبه يتحوّل إلى حديثٍ في الوسط الصحافي والإعلامي والثقافي، لم تكن موادّه وصفيةً وإنما غنية بالمعلومات الدقيقة التي تحصّل عليها بشكلٍ مباشرٍ عن طريق الاستقصاء. وبرغم بداياته الكلاسيكية كأي صحافي آخر، غير أنه واكب صرعات التدوين، ودخل في تقنيات الكتابة الحديثة شكلاً ومضموناً، مما جعله متطورا بشخصه، ومطوِّرا بمهنته لتكون بصمته الأسلوبية خاصة به، لا يشبهه أحد، ولا يقلّد أحدا. لو قرر عمر أن يجامل، لما كان عمر، وهو كان، يرحمه الله، فاروقا في الصحافة. ربما لم يكتب البورتريه الصحافي في السعودية أحد مثل عمر المضواحي، الذي فجعنا برحيله أول من أمس. وأظنه كان يتحدث عن نفسه عندما كتب يوماً عن داود الشريان بأنه كبريت الصحافة السعودية، وأنه سريع الاشتعال إذا اقترب أحد من حدودها المقدسة! كان ابن مكة البار، يقدسها، حرمها ومعالمها وتراثها، بناءها وعمرانها، ويشتعل كفتيل قنبلة تنفجر في وجه من يقترب من قداستها! لو جامل المضواحي يوماً، ولو لم تصل هذه المجاملة إلى حد التزلف، لبلغ مناصب إعلامية يشار إليها بالبنان، لكنه اختار النوم على وسادته، وضميره متيقظ، حتى رحل عن دنيانا وبقي ضميره حياً. كان يفكر خارج الصندوق، ويكتب بأبجدية مختلفة، ولذلك بقي حرفه مختلفا، وجميلاً، ويزيد هذا الحرف جمالاً أنه لم يكتب يوماً ما لا يرضيه، ولم يقل يوماً ما لا يقتنع به، هو أحد قلة في صحافتنا الذين طوعوا الكلمات لمشرط الصحافي. لقد قال عمر المضواحي، كلمته، ومضى، مرفوع الرأس، براية بيضاء نظيفة، لا استسلاما، فمثل عمر لا يستسلم، ولولا حقيقة الموت، لما سلم له. أسلم الصديق الجميل عمر المضواحي روحه لباريها، ورحل رجل زاملته نحو ربع قرن، بداية من صحيفة المسلمون في جدة وركضنا في بلاط صاحبة الجلالة، فرقتنا الحياة، لكن الود بقي، حتى خطف الموت عمرا، فرحمة الله عليه وصبر أهله ومحبيه على فراقه. إنا لله وإنا إليه راجعون! تركي الدخيل *نقلاً عن صحيفة "عكاظ"